عام 2010 هو عام الانتخابات فى مصر بامتياز، فسوف تجرى انتخابات مجلس الشورى للتجديد النصفى للمجلس فى منتصف العام، بينما تجرى الانتخابات التشريعية لانتخاب أعضاء مجلس الشعب بعد التعديل الذى أدخل على قانون مباشرة الحقوق السياسية، وبموجبه تم تخصيص مقاعد للمرأة حوالى 68 مقعداً بعد إضافة أربعة مقاعد للمحافظات الجديدة، وهذه الانتخابات تكتسب أهمية خاصة ذلك أنها تعد مقدمة لانتخابات رئاسة الجمهورية والتى سوف تجرى فى عام 2011.
من المعروف للجميع أن الوضع السياسى المصرى الداخلى يحوز على اهتمام دولى خاص لاعتبارات كثيرة ولعل أهمها الدور الإقليمى المحورى لمصر، فيكفى الإشارة إلى أن تشكيل الاتحاد من أجل المتوسط تم برئاسة فرنسا من الجانب الشمالى للمتوسط ومصر من الجانب الجنوبى للمتوسط، فضلاً عن النظرة إلى تطور الديمقراطية فى مصر على اعتبار أنها نموذج يمكن أن يحتذى فى المنطقة، لذلك فإن الانتخابات فى مصر محل لاهتمام دولى كبير، والسؤال هنا: هل تقبل الحكومة المصرية بالرقابة الدولية على الانتخابات، وهل تعد الرقابة الدولية تدخلا فى الشئون الداخلية كما يتصور البعض؟
فى واقع الأمر، فإن هناك حاجة ملحة للإشراف الدولى على الانتخابات، والذى لا يمثل مساساً بالسيادة الوطنية، بل على العكس هو مطلب شعبى وجماهيرى باعتباره أحد ضمانات كشف عمليات التزوير والفساد التى تشهدها الانتخابات المصرية منذ سنوات طويلة ومنع تكرارها فى الانتخابات القادمة، ولاسيما فى ظل سجل الحكومة فى تزوير الانتخابات والذى وصل لدرجة أن المحكمة الدستورية العليا قد أبطلت إحدى دورات مجلس الشعب بالكامل هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية هناك دول عربية وأجنبية عدة قد استعانت بمراقبين دوليين مثل اليمن والجزائر وفلسطين وأوكرانيا وجنوب أفريقيا وبوروندى، وبالتالى فإن الرقابة الدولية ليست ببدعة، بل وإن مصر ذاتها أرسلت مراقبين يشاركون فى فرق الرقابة الدولية على انتخابات تجرى فى دول عربية أخرى.
من هنا نرى أن مصر بحاجة ماسة للرقابة الدولية على الانتخابات وفى هذا التوقيت بالذات وذلك لعدة أسباب، أولاها أن سماح الحكومة المصرية بوجود مراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات يعتبر نقطة تحسب لصالح الحكومة، إذ يثبت نيتها ورغبتها فى تطبيق برنامج إصلاحى شامل بالبلاد، ولعل الإشراف الدولى على الانتخابات أولى خطوات تنفيذ هذا البرنامج، وثانيها وجود الإشراف الدولى على الانتخابات سيؤدى بطريقة أو بأخرى لمنع تكرار التجاوزات التى تحدث أوقات الانتخابات من قبيل تفشى الفساد والتدخل الإدارى وانتشار أعمال العنف والبلطجة أثناء العملية الانتخابية وقبلها وإساءة استخدام المال العام للدعاية لمرشحى الحكومة عبر تقديم أموال أو خدمات للناخبين وصولاً لعمليات التزوير المتكررة، فهناك الجداول الانتخابية المليئة بأسماء متكررة وأسماء الموتى والمهاجرين والمجندين وغيرهم، فضلا عن الأخطاء المتعمدة فى الأسماء، وبالتالى يمكن أن تكون الرقابة الدولية بمثابة "رادع" للأجهزة الحكومية لمنع تزييف إرادة الناخبين فى الانتخابات القادمة، وأخيراً، تعتبر الرقابة الدولية على الانتخابات بمثابة "علامة جودة" للعديد من الانتخابات فى دول العالم، لأنها تسهم -ضمن عوامل أخرى- فى تعزيز ثقة المرشحين والناخبين فى نزاهة الانتخابات وسلامة إجرائها، وبالتالى فإنه فى حالة موافقة الحكومة المصرية على هذه الرقابة فإنها ستنجح فى تقديم شهادة للعالم أجمع على نزاهة الانتخابات، باعتبار أن الرقابة الدولية إحدى ضمانات إنتاج الديمقراطية بالبلاد. فإن كانت الانتخابات نظيفة شهد لها بذلك، وإن كانت مزورة دانها وانتصر للديمقراطية فيها.
ونهاية، أؤكد أن الرقابة على الانتخابات المحلية والدولية معاً تعتبر صمام الأمان لضمان حسن سير العملية الانتخابية والتأكد من نزاهتها وسلامتها، فبمقتضاها تجرى العملية الانتخابية بكافة مراحلها فى ظروف علنية تتسم بالشفافية، كما تساهم فى توفير الثقة بالعملية الانتخابية والاطمئنان لنتائجها، سواء كان ذلك من قبل عموم المواطنين والناخبين أو المرشحين، لذلك ينبغى على المعارضين -سواء من داخل الحكومة أو خارجها- لفكرة الاستعانة بمراقبين دوليين التخلى عن حساسيتهم المفرطة عند التعامل مع هذه المسألة وعدم تعبئة الرأى العام ضدها، لاسيما وأن الرقابة الدولية على الانتخابات تمثل أحد مفردات الخطاب العالمى الحالى المطالب بالمزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
* الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان