د.عمرو الشوبكى

«الضغوط» الأمريكية على مصر.. هل من جديد؟

الجمعة، 05 فبراير 2010 12:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
>> أمريكا لن تدعم التوريث.. ولن تكون ضده

تحركت الولايات المتحدة عقب اعتداءات 11 سبتمبر نحو العالم العربى والإسلامى، ونسجت إدارة الرئيس بوش مفهوما «استراتيجياً» مبسطاً يقوم على ضرورة «تحرير» العالم العربى من الأنظمة غير الديمقراطية على اعتبار أنها مسئولة عن خلق مناخ داخلى تسلطى صنع الإرهاب.

وتصورت أمريكا أن الأمر بسيط ولا يعدو أن تقوم بعملية «إحلال وتبديل» فتقضى على النظم القديمة بالقوة المسلحة أو بالضغوط السياسية، وتنشأ نخب حاكمة بديلة تكون أكثر ديمقراطية من النخب السابقة ومتوائمة أيضا مع الاستراتيجية الأمريكية.

ومع نجاح أمريكا فى إسقاط سلس لنظامين فى العالم العربى والإسلامى فى كل من أفغانستان والعراق، فإنها تصورت أن إدارة هذين البلدين ستصبح أمراً سهلاً بعد إسقاط نظاميهما «المارقين»، ولكن الفشل كان كبيراً فى حكم هذين البلدين بعد إسقاط الحكم فيهما.

ومع ذلك حاولت أمريكا استخدام الضغوط السياسية المختلفة على دول عربية كبيرة مثل مصر والسعودية من أجل إجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية سرعان ماخفت حين تأكدت أن البديل سيكون هو الإسلاميين خاصة بعد الرسالة القوية التى أرسلها النظام المصرى للخارج بعد حصول الإخوان المسلمين على 88 مقعداً من مقاعد البرلمان، وبدوا كبديل خطر وسيئ بالنسبة للأمريكيين.

وتكررت هذه المراوحة الأمريكية مرات أخرى، فرغم ليونة الإدارة الجديدة تجاه النظم العربية وعدم توجيهها لأى نقد للنظام المصرى بل وحرصها على تلطيف الأجواء المتوترة التى صاحبت العلاقة المصرية الأمريكية فى عهد الإدارة السابقة، إلا إن هذا لم يحل دون خروج بعض التصريحات أو المواقف التى تنقد بعض جوانب أداء النظام السياسى المصرى، كما جرى مؤخراً مع «المعهد الأمريكى للسلام» التابع للكونجرس، و«مشروع دعم الديمقراطية» المستقل فى واشنطن، حيث خرجت دراسة حديثة للمعهد تقول إن المادة 67 من الدستور المصرى تضع قيوداً على المرشحين، تضمن عدم وصول أى مرشح للرئاسة إلا من أعضاء الحزب الحاكم، ورسخت سيطرة الدولة على المشاركة السياسية، بدليل قلة الأصوات المشاركة فى الانتخابات الرئاسية عام 2005، إذ لم تزد نسبة المشاركة على 23 %.

وأشارت الدراسة، التى حملت عنوان «سعى دول الشرق الأوسط الكبير لدعم الديمقراطية والأمن»، إلى أنه من المتوقع أن يرث جمال مبارك، نجل الرئيس، حكم أبيه، مؤكدة أن اقتراحاته للعام المقبل داخل الحزب الوطنى من شأنها أن تضغط على الحركات الإسلامية لتضمن بقاء النظام «نصف السلطوى» على حساب شرعية النظام لدى الرأى العام.

وذكرت الدراسة التى شارك فى الإشراف عليها الكاتب «فرانسيس فوكوياما» مؤلف كتاب «نهاية التاريخ» أن «الثناء» على الإصلاح الدستورى فى مصر تزامن مع فشل فى رسم كيفية تنظيم العملية الانتخابية، وفق معايير النزاهة والحرية.

والحقيقة أن هذه الدراسة الأخيرة مثل غيرها من المواقف الأمريكية المتناثرة هنا وهناك لا يمكن اعتبارها مؤشرا على تحول كبير فى الاستراتيجية الأمريكية تجاه مصر، فلا يوجد بديل حقيقى ليبرالى أو إصلاحى للنظام المصرى، قادر على تغيير المعادلات السياسية الحالية، ولا توجد حركات سياسية مدنية تمثل تهديداً حقيقيا للنظام ولا ضغوط شعبية من أجل الإصلاح السياسى، إنما يوجد فقط الإخوان المسلمون البديل المرفوض أمريكيا والكارثى مصريا فى حال وصل إلى السلطة.

والحقيقة أن هناك مشكلات أخرى تتعلق بالإطار العام الذى مازال يحكم الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، ويكمن أساسا فى طبيعة التصورات التى صاغتها الإدارة الأمريكية بعد 11 سبتمبر، ونظرت إلى العالم العربى والإسلامى، باعتبارها منطقة «موردة للإرهاب» تستلزم التقويم والإصلاح، ووضعت مجموعة من الأهداف كان أبرزها العمل على «زرع الديمقراطية» فى الشرق الأوسط والعالم العربى، وأطلقت فى سبيل ذلك ما أسمته بمبادرة الشرق الأوسط الكبير وظلت هذه المبادرة وحتى الآن محكومة بعدة مشكلات، أولها تتعلق بهيمنة الهاجس الأمنى على السياسى، حيث أصبحت معالجة المشكلات الأمنية هى المدخل الرئيسى فى التعامل مع المنطقة العربية، وصارت ضغوط الإصلاح الأمريكية تستهدف أساسا منع تكرار العمليات الإرهابية مرة أخرى وليس بناء ديمقراطية ذات جذور اجتماعية وثقافية فى العالم العربى.

ولعل هذا «المدخل الجنائى» فى تعامل الولايات المتحدة مع الإرهاب جعلها تنظر للعالم العربى باعتباره مصدره، واقتصرت بالتالى أو بالنتيجة قراءتها لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية على الزاوية الأمنية والمصلحة المباشرة.

وظلت الإدارة الأمريكية قبل 11 سبتمبر أسيرة كثير من التقديرات بعضها شاع على أنه «أكاديمى»، والبعض الآخر روجه بعض خبراء الشرق الأوسط فى الإدارات الأمريكية، ونظر إلى الحركة الإسلامية باعتبارها «كائنات» يتم التعامل معها وفق المصلحة الأمريكية بالمعنى الضيق والفورى للكلمة، فهى خير مطلق فى أفغانستان أثناء مقاومة المجاهدين للغزو السوفيتى لبلادهم، وهى شر مطلق بالنسبة لحركة حماس الإخوانية فى فلسطين، فى حين أن إخوانهم فى العراق من أعضاء الحزب الإسلامى العراقى دعمتهم أمريكا و«تحايلت» عليهم من أجل الدخول فى العملية السياسية فى حين فعلت العكس تماماً مع حركة حماس لأن المصلحة الأمريكية الإسرائيلية لا تتطلب الحوار معهم.

أما المشكلة الثانية فى التحركات الأمريكية تجاه المنطقة فتكمن فى وهم فكرة تصنيع نخبة جديدة فقد تصورت أمريكا أنها حين ستغزو العراق، ستضغط على زر يطيح بالديكتاتورية الصدامية، وآخر يبنى الديمقراطية على الطريقة الأمريكية، وأنها قادرة على تصنيع نخبة بديلة حملت بعضها جوا، وكثير منها لم يكن له علاقة بالبلاد، ولم تهتم بالبحث عن حلفاء أو أنداد أو شركاء إنما بدرجة أو بأخرى «عملاء».

صحيح أن صورة أوباما مازالت مختلفة فى العالم العربى عن جورج بوش، ولكن إرث الأخير ثقيل وقاس، والتخلص منه لن يتم فى يوم وليلة، خاصة فى ظل ورطة الولايات المتحدة المستمرة فى العراق وأفغانستان.

وعليه فأمريكا لن تفقد الحليف المصرى تحت أى ظرف حتى لو قامت بعتابه من حين إلى آخر، ويبقى السؤال الحقيقى، لا يكمن فى الضغوط الأمريكية من أجل الإصلاح السياسى فى مصر، لأنها لن تتم إنما فى مدى قدرة أمريكا على ترتيب «البيت المصرى» فى مرحلة ما بعد الرئيس مبارك، هل لها مرشح هل تفضل مرشحا؟ إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى حديث آخر، لكن يمكن القول الآن إن أمريكا ليس لها مرشح بعينه، فهى لن تدعم التوريث ولن تقف ضده، وهى ليست مع ذلك أو ضد ذاك، كما يروج أو يتصور البعض، لكنها بالتأكيد ستحرص بكل الطرق ألا يكون المرشح القادم متمرداً على القواعد التى وضعتها أمريكا فى مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد، وياحبذا لو كان هذا الشخص لديه نفس إصلاحى ومتوائما فى نفس الوقت مع الاستراتيجية الأمريكية بصرف النظر عن اسمه الذى لن يعنى أمريكا كثيراً.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة