تخيلوا معى جنازة حاشدة يسير فيها أكثر من أربعة آلاف شخص، عدد منهم من المسجلين خطر والمطلوبين على ذمة قضايا مختلفة والمواطنين الحزانى، المرحوم بلطجى ذائع الصيت بمدينة المحلة الكبرى، إنه "الزعيم" عادل عفيفى، الذى اشتهر بقتل خصومه فى عز الضهر فى أى مكان، مما استدعى التنسيق بين عدة محافظات للإيقاع به وتصفيته، ومع ذلك حوله المواطنون إلى بطل شعبى.
لماذا حوله المواطنون إلى بطل شعبى ونسجوا حوله حكايات يطول شرحها عن مساعدته للمحتاجين وشهامته مع أبناء منطقته؟ ولماذا تحولت جنازته إلى جنازة شعبية محاطة بالعناصر الأمنية خوفاً من حدوث شغب أو توتر بين المشيعين الحزانى على رحيل الزعيم؟
الأمر وما فيه أن "الزعيم" قاتل محترف وعدوانى بالفطرة ومتورط فى تجارة المخدرات وجمع حوله عدداً من الخطرين، مشكلاً عصابة قادرة على تهديد أصحاب المحلات والورش والكافيتريات فى منطقته وفرض إتاوات عليهم، فضلاً عن معاركه المعلنة مع خصومه من تجار المخدرات أو البلطجية.. كل ذلك عادى ومعروف، ويعانيه عدد من التجار وأصحاب المحال والمواطنين، الذين أصبحوا يخشونه هو وأتباعه، لكن غير العادى الذى صنع للزعيم شعبيته ودفعه إلى مصيره فى النهاية، هو تحديه لرجال الشرطة جهاراً نهاراً وإعلانه العصيان التام بالسلاح الآلى وبأعوانه وسط جموع المواطنين الذين يعانون غلاسة أمين شرطة أو رزالة مخبر أو تباتة مرشد، أو سوء معاملة ضابط فى كمين.. الأمر الذى جعل من بلطجى وتاجر مخدرات "أدهم شرقاوى" فى نظر الكثيرين الذين يعانون من القطيعة مع رجال الشرطة ويباهون دائماً بأنهم عمرهم "ما دخلوا قسم" ولا يحبون الاقتراب منه.
البلطجى، تاجر المخدرات الذى ارتكب أول جريمة قتل وهو دون الثامنة عشرة من عمره، أصبح البطل الذى يواجه رزالات المحسوبية على الداخلية.. وهكذا وصولاً إلى إطلاقه الآلى فى عز الضهر فى الشوارع وتصفية خصومه على رؤوس الأشهاد، متحدياً سلطة القمع وسرينة عربية الأتارى وصوت إطلاق الرصاص وكلها من صلاحيات الحراس الساهرين على الأمن عندنا!
فى النهاية فقدت الشرطة الاتصالات مع المواطنين، وأصبح البلطجية هم أبطال الخيال الشعبى لمجرد تحديهم للسلطة القائمة.. حتى بعد مصرع البلطجى.. تجد جنازة حاشدة لمواطنين يزرفون الدموع ويطلبون له الرحمة والحياة الأبدية مع الحور العين.. والشرطة والشعب فى خدمة الوطن.