د. بليغ حمدى

تلغراف الرئيس

الإثنين، 08 فبراير 2010 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وجه الرئيس مبارك فى أثناء خطابه فى احتفالات مصر المحروسة بعيد الشرطة رسالة حادة النبرة إلى كل من الأزهر والكنيسة المصرية بوصفهما أبرز المؤسسات الدينية الرسمية فى مصر.

وهذه النبرة الحادة كانت من أجل ضرورة تجديد الخطاب الدينى وتطويره، والسعى إلى إيجاد خطاب دينى مستنير يهدف إلى توحيد الأمة وتقوية عزيمتها تجاه المحاولات المستدامة للنيل من وحدة مصر.

ولعل ما قاله وأكده السيد الرئيس مبارك فى تلغرافه السريع والمركز للأزهر والكنيسة المصرية لاتعد المرة الأولى التى وجه انتباه الأزهر لضرورة وحتمية تجديد الخطاب الدينى، والتأكيد على خطورة وأهمية هذا الخطاب فى استنارة المواطنين ودفعهم إلى الحيطة والحذر من التيارات الفكرية والدينية البعيدة تمام البعد عن سماحة الإسلام الحنيف.

ولكنه يبدو أن المؤسسة الدينية العريقة تأخذ مثل هذه الدعوات والنداءات التى تصدر من أعلى سلطة فى مصر ألا وهى سلطة رئيس الجمهورية بمنطق المثقفين بل نخبة المثقفين وصفوتهم، فتقوم جاهدة بإعداد وتأليف كتب لا يقرأها العامة والعاديون، رغم أنه لم يعد هناك رجل عادى.

والمثير للدهشة أن بعضاً من القائمين على تطوير الخطاب الدينى نفسه يرون أن هذا الخطاب الدينى لا يرقى إلى مستوى المرحلة، خصوصاً فى القضايا التى تمس العلاقة بين المسلمين والأقباط، بل وتجد أن معظمهم يصر على ذكر عبارة غير المسلمين فى الإشارة إلى الأخوة الأقباط، وهذا أساس ضرورى وحتمى إذا أردنا بالفعل أن نفعل نصيحة الرئيس مبارك، والأغرب أنهم يؤكدون على صعوبة تحقيق الأفكار المستنير والاجتهادات الدينية والتعامل معها من جانب الأفراد.

ولاشك أن هذا يعد قرينة دامغة على فشل الخطاب الدينى الرسمى فى مواجهة أساطين ونجوم الفضائيات الذين يدغدغون مشاعرنا بنصوص الرقائق التى ربما تنتهى بسامعيها إلى التسليم بقيم التواكل والصبر واللامبالاة، فى الوقت الذى نحتاج إلى تدعيم ونشر قيم العمل والإنتاج، وقبول الآخر طوعاً أو قسراً أو محبة أو كراهية، المهم أن نقبله، وفى الوقت الذى يصر أنصار هذا الخطاب أنهم يكسبون أرضاً جديدة فى ميدان الفكر والحوار، أؤكد أنهم يخسرون أراض أخرى كثيرة، فهل بالجانب الشكلى الخارجى سنستعيد الحضارة والهوية.

فالخطاب الدينى الرسمى عليه أن يعالج تطور الحراك الثقافى والسياسى فى مصر بمزيد من التوعية الدينية التى تصب فى فهم الآخر، والتعاون معه، واحترامه وتقبله، بدلاً من الاجتماعات المكرورة لمناقشة قضية النقاب التى أوشكنا أن نوزع صوراً لطلاب المدارس عليها صور لمنتقبات مقرونة بعلامة لا للنقاب، فالأمر ولا ريب وعر، وما أحداث نجع حمادى الأخيرة إلا نموذجاً لبعض الأفكار الدينية المغلوطة التى ترى المختلف عقائدياً متآمراً على الإسلام.

ولعل اللغط الذى قرن بحظر المؤسسات التعليمية للنقاب، وحكم المحكمة الإدارية العليا بالسماح للمنتقبات دخول الامتحانات جاء فرصة سانحة وطيبة لبعض نجوم الفضائيات الفراغية، وصار كل واحد منهم سوبر ستار لدى مشاهديه، فصار هذا يدلل على أن ارتداء النقاب هو شرط دخول الجنة، وأصبح هذا يؤكد أن منع النقاب داخل الحرم الجامعى جريمة تنافى القيم والتقاليد الإسلامية، وذهب ثالث بدلاً من أن يعرض لنا أسس المذاكرة والتفكير للمستقبل ذهب بعيداً إلى الهجوم على الدولة ومؤسساتها بدعوى أنها تجبر المنتقبات على الانزلاق فى الرذيلة والخطية، وهكذا صار الموضوع لهم مصدر رزق ومزايدة.

إن جوهر الخطاب الدينى المعاصر لا يقبل مجرد فكرة الاستماع إلى إمكانية الجمع بين الماضى المرجعى والواقع الفعلى المعاش الذى يتسم بالمعرفة والمتغيرات الوافدة الثقافية، وهو خطاب أحادى، فعجباً ونحن فى مصر نقر بأن الإسلام هو دين الأغلبية (وهو حق ليس ادعاء بحكم البيانات والإحصائيات) ومع ذلك يصر هذا الخطاب فى نصوصه المعاصرة وبرامجه الفضائية الفراغية أنه يتحدث لقلة فقط، وأنا لا أزعم بل أكاد أجزم بأن جميع البرامج الفضائية الدينية لا تحاول الاقتراب من فكرة الحوار مع الآخر، بل أعجب من ذلك أن بعضها راح يشكك فى إخلاص الأقباط للقضية الوطنية المصرية، وأنهم دائماً عملاء للغرب، أو للاستعمار كما يزعمون.

وحقيقة ما جرى من أحداث دموية ليلة عيد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام ) هى نتاج أذن كبيرة سمعت لأصوات ولم تع ما سمعت، فهناك عشرات بل مئات التسجيلات الصوتية لأشخاص لانعلم عنهم شيئاً يتحدثون فى الدين وقضاياه، ويفتون وللفتوى جلل وحرج، ويجوبون الأرض من خلال القنوات الفضائية الفراغية لا هم لهم سوى الفتنة والتفرقة، ولأننا أمة غير قارئة، أو إن شئت فقل أمة لا تقرأ وإن قرأت لا تع ولا تفهم أصبحت الثقافة السمعية بديلاً عن ثقافة الكلمة والسطور.

إذن فمهمة الأزهر صعبة، ولكن ليست بالمستحيلة، وعليه أن يدرس الماضى جيداً ويؤوله ويسعى لتفسيره من أجل استقراء الحاضر، واستشراف المستقبل، وإذا كان الأزهر الشريف كان منارة ومركزاً رائداً للتعليم والثقافة الإسلامية فى العالم كله، فمن الأحرى هذه الآونة أن يستعيد مكانته المرموقة تلك بخطاب دينى مستنير همه الأول نهضة الإسلام والمسلمين، والارتقاء بالوطن الذى يحيا على أرضه المسلمون والأقباط معاً.
وخير ما تصنع المؤسسة الدينية فى تكوين شخصية المرء السليمة، التى تتسم بالتوازن والاعتدال والوسطية، وذلك بإشعاره بأن الله قد كرمه بحمل رسالة الإسلام الخالدة، وأنه مأمور بأن ينطلق من هذا الشعور ليكون داعية خير حيثما كان، وحرباً على الشر حيثما وجد، عن طريق إمداده بالقيم الموجهة للسلوك والضابطة له، والتى تساعده فى الانفتاح على العالم الخارجى واستيعاب معطياته، وكم أتمنى أن تكون رسالة السيد الرئيس مبارك قد وصلت كاملة إلى المؤسستين الدينيتين فى مصر، الأزهر والكنيسة، وأن يعملا معاً على جعل أفراد هذه الأمة شركاء فى الوطن.

* دكتوراه فى فلسفة الإدارة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة