غريب أمر هذا البلد وناس هذا البلد غرقوا فى بحر قضية هشام وسوزان وتفاصيلها وأدمنوا الوارد من أخبارها والشارد من جلساتها والمنتشر من نميمتها والمروج من شائعاتها حتى أعماهم ذلك عما هو أهم، انشغلوا بدم سوزان تميم عن دم مصر، جذبتهم إثارة العلاقة بين الفن والمال فى قضية هشام وسوزان عن ملل الفساد وإهدار الملايين وبيع أراضى الدولة برخص التراب فى قضية وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، راجع نفسك وركز مع حالة اللهفة التى تسود الشارع المصرى بخصوص قضية هشام وسوزان، وقارن ذلك بحالة اللامبالاة التى يتعامل بها كثيرون مع قضية الوزير السابق، وسوف تكتشف أن قضية سليمان التى تعد أكبر قضية فساد فى عصر مصر الحديث لا تجد ربع الاهتمام الشعبى الذى تحظى به قضية رجل المقاولات والفنانة نصف المشهورة، ربما يبدو ذلك طبيعيا فى بلد مثل مصر كفر أهله منذ زمن بفكرة القضاء على الفساد وحفظ ثرواته من النهب والسرقة، وربما يبدو أكثر طبيعية فى قضية مثل قضية إبراهيم سليمان أصبح لدى الناس قناعة بأنه فوق الحساب بعد سنوات طويلة شهدت إجهاضا متعمدا لأى محاولات برلمانية أو إعلامية تهدف إلى فتح ملف فساد وزير الإسكان السابق.
وبناء على ما قرأته فى السطور السابقة تبدو حالة اللامبالاة الجماهيرية تجاه قضية سليمان منطقية بالنسبة لشعب مقتنع بأن القضية ستنتهى على فاشوش، ربما لأن سوابق الحكومة مع من سرقوا أراضى الدولة وأرضها لا تطمئن، وربما لأن تاريخنا الحديث لم يشهد يوما حسابا أو مساءلة لوزير سواء كان فى منصبه أو رحل منه بكارثة.. ربما الأولى جائزة وربما الثانية يجوز الاعتماد عليها أيضا فى تفسير موقف المواطن المصرى الهادئ من قضية التحقيقات فى فساد إبراهيم سليمان، أما ربما الأقرب للحقيقة، فتقول بأن هناك إحساسا قويا يسود الشارع المصرى بأن فتح ملفات إبراهيم سليمان أمر مستحيل، لأن التحقيق معه أو وضعه تحت طائلة المساءلة القانونية يعنى باختصار وضع الدولة كلها محل تحقيق ومساءلة فى ملفات فساد تتعلق بتخصيص أراضى الدولة لغير أصحابها مقابل رشاوى مالية، وإهدار مليارات الجنيهات من خزانة الدولة على مشروعات فاشلة، وذلك قد يكشف ببساطة عن تورط مسئولين كبار إما بالمشاركة أو الصمت على الجريمة فى فضائح وقضايا فساد تكفى لتدمير أنظمة حكم بالكامل، وبالتالى ستصبح محاكمة إبراهيم سليمان إن تمت محاكمة لنظام بأكمله، وليس مجرد رجل من رجاله، وبما أن كتب التاريخ لم تخبرنا من قبل عن نظام حكم أيا كان نوعه قام بمحاكمة نفسه أو فضح فساده أو وضع نفسه تحت طائلة القانون، فإن المسار الطبيعى لهذه القضية هو الحفظ أو الإغلاق أو التمييع التام الذى يفقد الرأى العام أى إحساس بها، وأى قرار غير ذلك يعنى كما تقول كتب التاريخ التى نقلت لنا حوادث شبيهة يضطر فيها النظام إلى اللجوء إلى التصفية الجسدية إذا فشل فى الخلاص من القضية بالألاعيب القانونية أو الطرق الودية، هكذا يتصرفون فى الحالات المتشابهة حينما يعجزون.. حادث بسيط يحصد روح الرجل ويدفن بجواره أسرار أكبر قضية فساد وإفساد وتجارة بموارد البلد.. ولكن لن يحدث هذا لأن الدولة عندنا لا تعتمد هذا الأسلوب، ولديها من المهارة والخبرة فى دفن الأمور وإجهاض القضايا الكبرى ما يكفى لعدم وصولنا لتلك المرحلة!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة