فى ظل الأنظمة البوليسية توقع أن تتعرض لأى اضطهاد، أو إهانة أو حتى تعذيب من الممكن أن يفقدك حياتك، خاصة أن كان لك نشاط سياسى مخالف للنظام الحاكم، فالجهات الأمنية تتعامل مع أمثالنا على أنهم عبيد، ليس من حقهم أن يخالفوا أسيادهم، وعليهم السمع والطاعة.
ولعل من أجهزة الأمن، التى تمارس هذه الضغوط بوضوح جهاز أمن الدولة، الذى امتلأت صفحات تاريخية بآلاف المضطهدين الذين لا ذنب لهم، إلا أنهم صمموا على التغيير والإصلاح، ورفض الاستبداد ومصادرة الحريات، والكل يعلم أن القضاء المصرى الشريف حسم الكثير من القضايا التى أُدين فيها ضباط من هذا الجهاز، الذى أصبح فى أمس الحاجة لإصلاح فورى، ورقابة قضائية حتى لا تسوء سمعة مصر فى المحافل الدولية الحقوقية، أكثر مما ما هو متعارف عليه الآن بسبب الاعتداء على الحريات.
ولقد رأيت بعين رأسى تصرفات هؤلاء البشوات عندما تم احتجازى فى عام 97 بعد شنى حملة على يوسف والى وزير الزراعة فى ذلك الوقت، وكشفى لأسرار رحلات التطبيع الزراعية - على صفحات جريدة آفاق عربية والحقيقة - والتى بسببها سقط بعض المهندسين الزراعيين فى شباك الموساد والإيدز أيضاًَ، وخلال أيام احتجازى بأمن الدولة رأيت تعذيباً بشعاً لبعض الشباب، خاصة من التيارات الإسلامية واليسارية، ولكن بفضل انتسابى لهذه المهنة وضغوط نقابة الصحفيين لم أتعرض لأذى، واكتفى البشوات بتهديدى فقط بالتعذيب.
وكنت أتمنى أن يكون الوضع تغير، خاصة فى ظل هذا الزخم الإعلامى الحالى، والنهضة الحقوقية، ولكن للأسف ما أشبه اليوم بالبارحة، فقد عادت لذهنى هذه الذكريات الأليمة بعدما قرأت عن طبيب الفيوم الدكتور طه عبد التواب محمد طبيب علاج طبيعى، الذى شهد من العذاب ألواناً على يد ضباط أمن الدولة بالفيوم، بسبب قيامه بحس المثقفين فى مركز سنورس على المشاركة فى مؤتمرات لتأييد د.البرادعى وحملة تغيير الدستور، وكذلك دعوته لحماية الأقصى.
بشوات التعذيب لم يقف بهم الأمر عند ممارسة هوايتهم فى تعذيب الطبيب، الذى يحاول أن يمارس حقه الدستورى والقانونى فى المطالبة بالإصلاح وإنقاذ الوطن من الفساد، ولكن استهدفوا إذلاله أيضاًَ، حيث حرص بهوات التعذيب على تجريد الدكتور من ملابسه، وما تركوه إلا فى حالة إعياء شديد، نقل على إثرها للمستشفى.
لم يجد د.طه عبد التواب إلا أنه يسلك الطرق القانونية من أجل التصدى لطغيان البشوات، فتقدم بشكوى رسمية للنيابة العامة، ودخل فى إضراب مفتوح عن الطعام حتى يرد له حقه، إنها قصة كل شريف يرفض الخضوع للنظام البوليسى وإهدار الكرامة، ولكن أرى أن علينا جميعاً أن نفضح هؤلاء البشوات الذين يحصلون على رواتبهم من جيوبنا، وما وجدوا إلا لحمايتنا، حتى يعلموا أن وظيفتهم فى الأساس حماية المواطن وليس تعذيبه وإهدار كرامته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة