سعيد الشحات

عبد المنعم رياض يقرر مسيرة جيل

الأربعاء، 10 مارس 2010 12:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى تعليق مؤثر من الكاتب المتألق دائما الصديق معصوم مرزوق، على ما كتبته بالأمس عن الشهيد عبد المنعم رياض، قال :" لن أنسى أبدا مشاركتى فى جنازة الشهيد عبد المنعم رياض، لقد كانت أحد أهم الأسباب فى قرارات هامة لى ولكل أبناء جيلنا، لقد اختلطت دموعنا مع قسمنا بالمواصلة حتى النصر مهما كانت التحديات، ومهما كان الثمن، وما زلنا على العهد يا رياض".

لا أعرف لماذا سرت القشعريرة فى جسدى وأنا أقرأ كل التعليقات التى جاءت على عبد المنعم رياض، وخاصة تلك العبارة التى ذكرها المتألق معصوم، بالرغم من أن استشهاد رياض مضى عليه 41 عاما، ولم تشاهده أجيال ولدت بعد رحيله، ولعل ما نذكره عنه فيما نكتبه هو درجة بسيطة من درجات رد الجميل له ولكل الشهداء، ولأجل هذا لم أجد أفضل من البقاء فى مقالى هذا مع سيرة هذا الرجل العطرة، وذلك من خلال الرائع الكاتب الراحل محمود عوض والذى أنقل منه باقى ما ذكره عن عبد المنعم رياض وذكرت جانبا منه فى مقال الأمس، وذلك من كتابه الجديد" اليوم السابع .. الحرب المستحيلة .. حرب الاستنزاف"، والذى سيصدر خلال أيام.

يقول عوض: فى المكاتب والبيوت، فى الأتوبيسات والشوارع، فى القرى والمدن، اهتز المصريون جميعا بنوعين من المشاعر متلازمين فى خط واحد، هناك أولا الشعور بالذنب، لقد قسونا على العسكريين كثيرا وطويلا بعد هزيمة يونيو، لكن عبد المنعم رياض باستشهاده هذا أعاد الاعتبار إلى العسكريين جميعا، هذا النوع الجديد من العسكريين الذين يقع على أكتافهم إعادة الاعتبار للعسكرية المصرية وإعادة بناء القوات المسلحة.

أما الشعور الآخر فهو، الغضب، أقصى درجات الغضب، فى هذه المرة أصبح الغضب قوة إيجابية تماما، كنا نصر منذ يونيو 1967 على أن الانتصار الإسرائيلى مجرد صفحة فى كتاب لكنه ليس آخر كتاب، وإسرائيل تريد من انتصارها أن يصبح النهاية، نهاية مصر أو حتى بداية النهاية، الآن يصر المصريون على أن استشهاد عبد المنعم رياض هو نهاية البداية، نهاية النظر إلى الخلف وبداية التطلع إلى الأمام، التطلع إلى تحرير الأرض، كل الأرض العربية.

ربما تكون هذه قفزة سريعة إلى الأمام نعود بعدها، ولأن الحدث لم يكن مصريا وإنما عربى، فعندما التقيت بالعماد أول ( الفريق ) مصطفى طلاس وزير الدفاع السورى فى مكتبه وجدت صورة عبد المنعم رياض تفاجئنى فى برواز خاص يضعه مصطفى طلاس على مكتبه، وعندما سألته قال : هناك سببان، أحدهما موضوعى والآخر شخصى ، أما الموضوعى فهو أن استشهاد عبد المنعم رياض لم يكن واقعة مصرية، هو واقعة عربية، ففى حالة البلبلة والانهزامية واليأس التى حاولت إسرائيل فرضها علينا بعد 1967 كان عبد المنعم رياض شعاعا مضيئا فى الظلام، هذا عسكرى محترف، ومتبحر فى العلم العسكرى، يتابع القتال من الخندق الأمامى وهو يعرف مسبقا أنه فى بؤرة الخطر، أقصى درجات الخطر.

مثل هذا السلوك لا يفعله إلا شخص مؤمن بجنوده وضباطه، مؤمن بجيشه، ببلده ، بعروبته، وبأن إرادة النصر يجب أن تبدأ من الرأس، ولو أخذتك الآن فجأة إلى مكتب رئيس أركان حرب الجيش السورى، أو حتى فى أية كلية عسكرية فى بلد عربى يحترم نفسه، فسوف تجد صورة عبد المنعم رياض باعتباره العملة الذهبية التى يقاس عليها الأداء العسكرى المحترف.

أما السبب الشخصى – مازلنا مع كلمات مصطفى طلاس – فهو أننى شاركت فى جنازة عبد المنعم رياض مبعوثا من سوريا، لقد وصلت إلى القاهرة متوقعا أن تكون جنازة عسكرية تقليدية أعود بعدها فى المساء إلى دمشق.

فى القاهرة وجدت أن الرئيس جمال عبد الناصر قرر أن تصبح جنازة عبد المنعم رياض عسكرية وشعبية معا، إنه هو نفسه فى المقدمة، ومع أننى عشت فى القاهرة من قبل إلا أننى فى ذلك اليوم فوجئت بأن شوارع القاهرة وميادينها اتسعت فجأة لكى تضم مئات الآلاف من المصريين خرجوا بعفوية يشاركون فى الجنازة.

فى إحدى النقاط ذاب عبد الناصر من بيننا وسط الناس وهم جميعا يتدفقون إليه، كل واحد حريص على الاقتراب منه ليقول له : البقية فى حياتك ياريس ، ولا يهمك يا ريس ، الثأر يا ريس ، معك ثلاثين مليون عبد المنعم رياض ياريس ..الخ"

توقف مصطفى طلاس لحظة قبل أن يضيف: تطلعت حولى فوجدت أن طاقم الحراسة الخاص بالرئيس عبد الناصر ذاب هو الآخر وسط الناس، تطلعت من جديد فوجدت رؤساء أركان الحرب القادمين من الدول العربية للمشاركة تحولوا هم أيضا إلى مواطنين يغمرهم الانفعال .. مددت كلتا يدى يمينا وشمالا لأقول لهم فلتتشابك أيدينا معا لتصبح طاقم حراسة للرئيس، نحيط بالرئيس، نحمى الرئيس.

فى المساء ذهبنا إلى الرئيس جمال عبد الناصر نستأذنه فى العودة إلى بلادنا واقتربت من الرئيس، لأقول له: سيادة الرئيس .. هذا التفاعل الذى شاهدناه اليوم من الشعب المصرى هو أكبر عزاء لك فى استشهاد عبد المنعم رياض، قاطعنى عبد الناصر قائلا : لا يا طلاس ، أنا ذهبت إلى الجنازة لمشاركة الناس وليس لتقبل العزاء فى رياض، العزاء الوحيد عندى، وعند عبد المنعم رياض، وعند كل العسكريين المصريين، هو تحرير الأرض، كل الأرض، لا أتكلم هنا عن سيناء فأمرها محسوم، أتكلم عن القدس قبل الجولان، هى القدس يا طلاس.

قالها عبد الناصر بوجه من الجرانيت وعينين من النيران .. وهكذا تحولت جنازة عبد المنعم رياض فى القاهرة، التى اشترك فيها الرئيس جمال عبد الناصر وممثلون عن الدول العربية، إلى مظاهرة وطنية عارمة وغاضبة اجتاحت العالم العربى .. تصر على الثأر رغم كل التضحيات.

انتهى ما كتبه محمود عوض عن رياض .. ولن تنتهى أبدا سيرة هذا الرجل العظيم.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

أميرة

شفيق متري سدراك أول شهداء حرب أكتوبر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة