خالد صلاح

نحن هنا أمام درس حقيقى وفرصة نادرة، الدرس أن المكاشفة هى أقصر الطرق للحفاظ على الاستقرار السياسى فى مصر، والفرصة أن يكون ما جرى من مصارحة فى ملف جراحة الرئيس فى ألمانيا

صحة الرئيس فى غرفة أخبار جريدة التايمز البريطانية

الخميس، 11 مارس 2010 01:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


هذه هى المرة الأولى التى لم أشعر فيها بالحرج أو بحرق الأعصاب وارتفاع ضغط الدم وأنا أتحدث عن مصر، وسمعتها السياسية، ومستقبلها الديمقراطى، والآفاق المحتملة للمنافسة على الكرسى الرئاسى، خلال لقائى بأحد أهم رؤساء التحرير فى بريطانيا السيد جيمس هاردنج، رئيس تحرير صحيفة التايمز الأكثر عراقة فى العالم، والأكثر تأثيرا فى الرأى العام فى المملكة المتحدة.

لم يكن ملف السياسة الداخلية المصرية ضمن أجندة اجتماعى مع هاردنج، لكن العملية الجراحية التى أجراها الرئيس، وأعلنت عنها السلطات المصرية، قفزت بالمسألة برمتها على كل اللقاءات التى عقدتها فى مقر التايمز.



كان الهدف الأول من زيارتى إلى لندن هو قرار مجلس الإدارة ومجلس التحرير فى جريدة «اليوم السابع»، بإطلاق عدد من الزيارات للصحف العالمية، استعدادا لتطورات جديدة ومفاجئة للموقع الإلكترونى للصحيفة، وهو الموقع الذى أصبح، بحول الله وقوته، الموقع الإخبارى الأول فى مصر، وفق التصنيفات التى تجريها المؤسسات الدولية لتصنيف المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، متجاوزا بهذه الصدارة صحفا عريقة، ومتصدرا قائمة التصفح فى مواجهة كل الجرائد المصرية وإصداراتها الإلكترونية القومية منها والمستقلة بلا استثناء، وكانت رؤيتنا أن نكون عند حسن ظن القراء بنا، بالاطلاع على التجارب الناجحة فى صحف بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والسعى لإدخال كل التطورات التحريرية والفنية الممكنة، لنحافظ على هذا التقدم، ونكون فى خدمة القراء على الدوام بلا توقف عن التحديث، وابتكار أفكار جديدة فى وقت يشهد فيه العالم ثورة حقيقية فى مجال الصحافة الإلكترونية.



كانت هذه الأهداف المهنية والصحفية وحدها هى موضوع اللقاء مع جيمس هاردنج، والاجتماع بالقيادات التحريرية والإدارية لجريدة التايمز، فى إطار مشروع للتعاون سنعلن تفاصيله قريبا على موقع «اليوم السابع»، جنبا إلى جنب مع زيارات ميدانية لصحيفتى الجارديان والإندبندنت البريطانيتين، ثم جاء إعلان الدولة عن قيام الرئيس بإجراء عملية جراحية ليفرض أجندة ساخنة للحوار، وأعترف هنا مجددا، أنها المرة الأولى فى حياتى، التى لم أشعر فيها بحرقة الدم خلال حوار بهذا المستوى عن الشئون الداخلية فى بلادى.

كان واضحا لدى كل من التقيتهم فى التايمز، أن السلطات المصرية أصبحت أقل حساسية فى التعامل مع ملف صحة الرئيس، إلى النحو الذى حرصت فيه مؤسسة الرئاسة على إعلان الخبر بصورة طبيعية، وتقديم المعلومات عن سير العملية الجراحية أولا بأول، وتوضيح الآليات الدستورية التى تنتقل فيها الصلاحيات الرئاسية إلى رئيس الوزراء، وكان تقييم جيمس هاردنج، أنه كلما نضجت الدولة واطمأنت إلى وضعها القانونى والدستورى، أصبحت هذه الآليات طبيعية، ولا تدعو إلى القلق، ومن ثم فإن هذه المكاشفة تمثل دلالة على تطور مفهوم الاستقرار السياسى فى مصر، فلم يعد الاستقرار مرادفا للإخفاء أو إحكام القبضة الأمنية، بل صار الاستقرار يعنى المزيد من المصارحة، وإطلاق الحريات، والسعى إلى تطور المجتمع المدنى، وإعلاء شأن دولة القانون.

لا أزعم هنا أن ملاحظات الصحفيين البريطانيين وانتقاداتهم للأوضاع الداخلية المصرية، قد توقفت تماما عند هذا المشهد الرئاسى، وعند قراءة نتائج الإعلان عن العملية الجراحية، فملف الحريات وقانون الطوارئ، ووضعية المرأة فى المجتمع، وقضايا الأقباط، لاتزال تمثل هاجسا أساسيا فى التقييم الشامل للأوضاع المصرية، لكن القراءة الأشمل، أن مصر فى حالة تطور لافت، يمكن أن ينتهى بها فى سنوات قليلة إلى الوصول إلى نموذج ديمقراطى مدنى متماسك، يقود المنطقة إلى تغيير فاعل وحقيقى.. (يسمع منهم ربنا).

واسمح لى أن أتوقف بك هنا قليلا عند هذا التقييم الصحفى الإنجليزى ودلالاته من وجهة نظرى، فهذه هى المرة الأولى أيضا التى يتحدث فيها الصحفيون الغربيون عن نضج سياسى فى علاج القضايا الداخلية فى مصر، بلا أى إشارة للضغوط الخارجية، ففى كل مرة يتفجر فيها الحديث عن الإصلاح الديمقراطى، والتعديلات الدستورية، والأوضاع الاجتماعية، وقضايا الحريات الدينية والاجتماعية فى مصر، تحرص المؤسسات الإعلامية الغربية على الإشارة لضغوط تتعرض لها القاهرة فى هذا الشأن، ويمكنك مراجعة تجربة الفوضى الخلاقة، وتداعيات ما بعد الحرب الأمريكية على العراق، أو الأجواء التى ارتبطت بانتخابات الرئاسة فى العام 2005.

أما الآن فكثير من الصحفيين الغربيين يشعرون بأن الحراك السياسى فى مصر، وهذا العدد الهائل من الحركات الاحتجاجية العمالية والمهنية، يعبر عن تطور داخلى لا تحركه قوى خارجية، ولا يخضع لتأثير أحد من قريب أو من بعيد، ولا يستند إلى دعم غربى، فلم يعد هناك مجال للحديث عن أصابع أمريكية تحرك الجماهير، أو قوى خارجية تقود الانقلاب على النظام، فالحديث الآن عن مجتمع يبدو فى حالة يقظة سياسية وعمالية ومهنية فى مواجهة كل الصعاب والتحديات والمشكلات الداخلية، والحديث أيضا عن سلطة نضجت إلى الحد الذى لم تعد تتعامل فيه مع هذه القضايا بالطريقة الكلاسيكية القديمة، من إخفاء وقمع واسع المدى من الناحية الأمنية، صحيح أننا لم نصل بعد إلى المستوى الأمثل من الناحية الديمقراطية، لكن صحيح أيضا أن أمامنا فرصة حقيقية نتجت من حراك داخلى، ومن إخلاص حقيقى لدى قوى فى صفوف المعارضة أو داخل السلطة، وبلا حسابات خارجية أو ضغوط من أحد، أو رهانات على قوى دولية.

صدق أو لا تصدق أن هذا هو التقدير الذى يتردد فى أوساط الصحف البريطانية، وصدق أو لا تصدق أن مجرد الإعلان بوضوح وبسرعة وبلا خوف عن تفاصل العملية الجراحية للرئيس، غيّر المزاج العام فى الإعلام الغربى إلى هذا الحد، ورفع من مستوى التقييم لمصر فى غرف الأخبار فى الصحف المرموقة فى العالم.
هل هذه الرسالة أوجهها لك أنت؟
طبعا لأ!!

هذه الرسالة أوجهها لمن كان بيده القرار فى التعامل مع ملف صحة الرئيس بهذا الوضوح، فإذا كانت مصر قد اطمأنت فى الداخل على الأوضاع السياسية والدستورية، واطمأنت أيضا على الرئيس فى رحلته العلاجية، وإذا كانت دوائر الإعلام الغربى قد تعاملت معنا بهذا التقدير، فما الذى يجرى لو كانت كل الملفات فى مصر تمضى وفقا لهذه الروح من المكاشفة والمصارحة، وتسير وفق هذا المنهج الناضج.

نحن هنا أمام درس حقيقى وفرصة نادرة، الدرس أن المكاشفة هى أقصر الطرق للحفاظ على الاستقرار السياسى فى مصر، والفرصة أن يكون ما جرى من مصارحة فى ملف جراحة الرئيس فى ألمانيا، هو المنهج الدائم الذى تتعامل به الدولة المصرية مع سائر الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الداخل والخارج.

أنا شخصيا أشكر الرئيس على قراره بهذه المصارحة، أولا لأننى شاركت من لندن الملايين من أبناء مصر فى الداخل، الاطمئنان على الوضع المؤسسى فى بلادى بلا فزع، أو رعب، أو شائعات، أو هبوط لأسهم البورصة، وشاركتهم أيضا الاطمئنان إنسانيا على صحة رجل قد نختلف معه سياسيا أحيانا، لكننا نحفظ له قدره التاريخى والعسكرى والدستورى. وأشكره ثانيا لأنه نجا بى من حرقة الأعصاب، وارتفاع ضغط الدم للمرة الأولى، عند الحديث فى الخارج عن الشأن الداخلى فى مصر.

وأخيرا طبعا.. حمدا لله على السلامة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة