ينتظر الناس فى الشارع دائما رد فعل قوى من جماعة الإخوان المسلمين تجاه ما يحدث لها من قبل رجال أمن الدولة الذى أصبح شعارهم الرسمى "قفا إخوانى لكل حذاء ضابط أمن دولة" والذى يذكره الشباب الكاره للإخوان كلما أراد أن يستفز شباب الجماعة الذين رفعوا شعار قيادات مكتب الإرشاد أدرى بمصلحة الجماعة ومستقبلها بعد أن نفدت كل حيلهم من أجل تحريك رد فعل مناسب لضربات الدولة للإخوان يشفى الغيظ الكامن فى صدورهم وينقذ صورتهم التى تهتز أمام المواطنين العاديين أو المنتمين لتيارات أخرى.
الفترة الأخيرة عاشت الجماعة حالة من السكون التام على الرغم من الضربات الأمنية المتلاحقة وأصبح المشهد كله يسير فى اتجاه واحد، أمن الدولة يضرب الإخوان على خدهم الأيمن فيدير الإخوان للدولة خدهم الأيسر ويرفعون شعار الصبر، أما المواطنون الذين وضعوا أملهم على الإخوان كتيار معارض يواجه جبروت نظام يتعاملون مع الأمر على أنه خطة إخوانية ماكرة سيتبعها ضربة قوية أو رد فعل يدفع النظام لأن يعيد النظر فى طريقة تعامله مع الإخوان، ولكن ذلك لا يحدث فيتمادى النظام فى إذلال الجماعة يعتقل قادتها وأعضاء مكتب الإرشاد ولا يحدث شىء، يقدمهم لمحاكمة عسكرية ويصر على ذلك فلا يحدث شىء، فيتمادى كثيرا ويقتحم البيوت على نسائهم ليلا ويصادر أموالهم وممتلكاتهم ولا يوجد أى رد فعل إخوانى على ذلك، فيتمادى رجال أمن الدولة أكثر وأكثر ويضعون قاعدة جديدة مع بداية انتخابات الشورى تقول بضرورة إهانة أى إخوانى حتى لو كان مرشحا أو حتى عضوا لمجلس الشعب فيتم اعتقال قيادات الجماعة فى محافظات مصر المختلفة ولا يبدى الإخوان أى رد فعل سوى بيانات بأفعال الأمن واضطهاد النظام لهم.
وما حدث مع طبيب الفيوم الإخوانى الذى يرقد فى المستشفى إثر جراح تعذيبه وضربه على أيدى رجال الأمن حدث منذ فترة زمنية ليست بالطويلة حينما قام ضابط أمن دولة بسحل وضرب ومرمطة نائب مجلس الشعب ياسر حمودة فى الطين وإخباره أنه هو وجماعته ومجلس الشعب ورئيسه "تحت جزمته"، وقتها تصور الناس أن يرد الإخوان ولكنهم لم يفعلوا بل وتراجعوا عن طلبهم بإحضار العادلى أمام البرلمان لمساءلته والحصول منه على اعتذار رسمى، ومع تراجع الإخوان فى وجه النظام ضاعت الصورة التى كانت قد تكونت فى ذهن المواطن العادى بأن جماعة الإخوان تمتلك قوة وتأثيرا وجمهورا فى الشارع يجعل النظام يخشاها ويعمل لها ألف حساب.
الصورة القوية التى كونها الإخوان فى انتخابات مجلس الشعب 2005 ضاعت تماما بسبب حالة السكون التى تعيش فيها الجماعة والصمت على ما يحدث لأفرادها بخلاف أزمة اختيار المرشد الأخيرة وهو ما يعيدنا إلى تذكر عصر المحنة كما يحب الإخوان أن يطلقوا على فترة عبد الناصر ومدى تعرضهم للتعذيب والسجن وصبرهم على ذلك، صحيح أن أدبيات الإخوان عن المحنة والأزمة والصبر تقول بأن هذا هو التصرف الطبيعى للجماعة غير أن اللجوء للأدبيات فى تلك الفترة التى تتعرض فيها الجماعة لحالة من الإهانة والتعمد فى إذلال أفرادها وكسر كبريائهم ساهم بشكل كبير فى فقد الجماعة لهيبتها.
الصمت الذى يعيشه الإخوان تجاه الضربات الأمنية المهينة للجماعة يعود إلى إيمان أفرادها القوى بضرورة تقبل المصائب قبولا حسنا، وأن يصبروا عليها على اعتبار أن كل محنة هى منحة من الله يأتى بعدها فرج وتمكين وهو ما كان واضحا فى وصايا المرشد السابق مصطفى مشهور حينما قال: "الإيمان أهم سلاح نتسلح به، يصبرنا، ويثبتنا، ويطمئننا أن المستقبل للإسلام، فعلينا أن نصبر، ونثابر، حتى يتحقق وعد الله بالنصر– إن شاء الله - فالتربية، واستغلال الوقت، والمحن التى نتعرض لها ليست ضربات معجزة، أو معوقة، ولكنها سنة الله فى الدعوات، للصقل والتمحيص، والتمييز بين الثابت، والمنهار؛ لأن أهم مرحلة فى الدولة المستقبلية هى أساسها، فإذا كان الأساس متيناً يعلو البناء، ويرتفع، أما إذا كان ضعيفًا ينهار البناء، فهذه المحن للصقل، والتمحيص، وإعداد القيادة الصلبة التى يثبت عليها البناء، يجب على الإخوان ألا ينزعجوا من هذه المحن، بل يعتبروها شرفًا، فالزمن لا يقاس بعمر الأفراد، بل بعمر الدعوات والأمم، وليس هذا بالكثير على تحقيق هذا الهدف الكبير".
ومن وصية مشهور يمكنك أن تفهم عدم انزعاج الإخوان من الإهانة الأمنية التى تتعرض لها الجماعة، ولماذا يتعاملون مع ما يحدث لهم بمنطق الواضع يده فى الماء البارد بينما يرى الجميع أن ما يحدث للإخوان هو نوع من فقدان الهيبة جعلت النظام يتطاول عليهم بيده وجزمته قبل لسانه وقانونه، فهم يرون تلك الفترة التى تراها أنت نوعا من الذل والانكسار وفقدان الهيبة، نوعا من التدريب والاختبار لعناصر الجماعة وحصة من حصص التدريب والصقل للجيل الجديد الذى يستعد لحمل الراية، بل ويعتبر كثير من القيادات الإخوانية أن كل ما يفعله أمن الدولة مع الإخوان من ضرب وقمع واعتقال دليل واضح على إفلاس الجهاز الأمنى وضعف قدرته فى مجاراة الجماعة وتقدمها وأن صمت الجماعة على ذلك مجرد مناورة لكسب المزيد من الوقت من أجل عمل ما يفيد الجماعة فى المستقبل.
الإخوان ينغمسون كثيرا فى المحنة وأدبيات الصبر عليها لدرجة تجعلهم يغفلون عن عواقب ذلك فى الشارع وأدبيات المحنة والصبر تستهوى نفوسهم بشكل قد يتسبب فى جعلها تسيطر عليهم فى أوقات فرحهم كما حدث فى زمن المحنة حينما كانت أناشيد أفراحهم الإسلامية تأتى على شاكلة: جاهد فى الله.. أُخَىَّ.. جاهد إن كنت تقيًّا/ تملك آفاق الدنيا..وتلاقى الله رضيًّا /جد بالمال وبالنفس.. إن تطمع فى الفردوس/ فهنالك أحلى العروس.. للمؤمن الحورية، وتحولت الأفراح إلى مجال آخر متأثر بالمحنة والصبر ومبشر بالمستقبل والفرج الذى يأتى عقب المحنة.
وظهر للإخوان نوع من القراءة الشرعية المتعلقة بالمحن والصبر على البلاء مثل فقه السجون والمعتقلات الذى شرحته العديد من الكتب، وسادت الحركة الإسلامية طبيعة كربلائية تقودها فكرة التطهر بناء على كلمات لحسن البنا يقول فيها:"إنكم ستمرون بشدائد وابتلاءات تختبر إيمانكم حتى يتبين الصادق من غير الصادق بهذا تكونون قد سلكتم طريق أصحاب الدعوات".
الدكتور جمال البنا له رأى مكتوب فى أكثر من موضع يقول فيه إن هناك خلطا بين ما هو دعوى وبين ما هو سياسى، فكون الحركة فى أصلها دعوية يجعلها دائما خائفة من إثارة الفتنة والمشاكل وتفضل الصبر على الابتلاء والمحن عن ذلك، وهو ما يضع علامات استفهام على الوضع السياسى فلا تعرف إن كان هذا الموقف هو ناتج عن ضعف سياسى أم قوة أم هو ترتيب لموقف قادم.
كلام الدكتور جمال البنا يعود بنا إلى نقطة الصفر حيث الصورة التى يرسمها الشارع الآن سياسيا لجماعة الإخوان المسلمين على أنها تيار ثبت عدم قدرته على مواجهة النظام وضرباته بدليل صمته على ما يتعرض له من إهانة وتنكيل حتى أصبح المشهد العام موحيا بأن الجماعة أصبحت ملطشة للنظام، هذه الصورة التى ترسمها الأحداث الآن فى ذهن رجل الشارع العادى سيكون مردودها فى الشارع فى غير صالح الجماعة، لأن جمهور الناس لا يقتنع بأن الصمت على الإهانة قد يكون خطة لشىء ما ،لأن الناس فى الشارع لا ترسم صورا إلا لما تراه أمامها، وما تراه الآن حملات اعتقال منظمة وإهانات بالجملة للجماعة عبر اعتقال نسائها وضرب قياداتها فى المحافظات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة