حمدى الحسينى

من الخبز إلى.. السولار!!

الأحد، 14 مارس 2010 06:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مجرد أن انفض مُولِد طوابير العيش من أمام المخابز، وقبل أن يزيح المصريون كابوسه المزعج من ذاكرتهم، ظهرت "كوليرا" نقص أسطوانات الغاز التى انتشرت وتنقلت بسرعة البرق بين محافظات مصر، وقبل أن يفيق المواطنون من أزمتى الخبز والغاز استيقظوا مؤخراً على معضلة نقص السولار وكأنهم على موعد دائم مع النكد اليومى، فما يكادون يلتقطون أنفاسهم من أزمة إلا ويقعون فى أخرى.

مع تكرار الأزمات وتجددها، أصبحت عادة عند الإنسان المصرى التضرع إلى الله فى كل صباح أن يجعل المخبئ لطيف، وهو الدعاء الذى يلجأ إليه البسطاء دائماً ليشحذوا هممهم به لمواجهة المجهول المخيف.

فإذا كان المواطن تحمل وصبر حتى انقشعت غُمة رغيف العيش الأخيرة بسلام وشيع المجتمع فيها بمرارة شهداء الخبز الأبرار، فقد تركت تلك الأزمة انطباعاً عكسته الفضائيات ظهرنا خلاله كأننا قطيعٍ من الجوعى يتراصون أمام أفران الخبز فى بلاهة تتنافى مع تاريخ هذا البلد العريق !!

لقد تحملنا أثناء أزمة الخبز المسيئة نظرات الشفقة من الأشقاء والغرباء على حد سواء، ثم جاءت معركة اسطوانات الغاز وسقط فيها ضحايا جدد، لترسخ هى الأخرى شعوراً عميقا بغياب دور الدولة وفشلها فى القيام بأبسط واجباتها لتوفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنيين.. ولم نلبث أن نتخلص من سيل السيارات الذى أغرق شوارع العاصمة ليلاً انتظاراً لوصول البنزين 80 المدعم، فإذا بكارثة السولار تطل برأسها طوال الأيام الماضية.. ونقص السولار يعنى ببساطة أننا نجمع كل الأزمات فى أزمة واحدة على أساس أنه الوقود الرئيسى لأغلب المخابز، والمركبات العامة وشاحنات النقل الثقيل وطلمبات مياه الرى.. فنقص وقود الحياة أو"السولار" يترتب عليه توابع عديدة كفيلة بأن تكدر حياة الملايين فى طول البلاد وعرضها،حيث يعد التكدس المرورى أبسط مظاهرها.. فبمجرد الاعلان عن الأزمة أصيبت شوارع القاهرة الرئيسية بحالة انسداد تام بسبب كثافة وحجم السيارات المتعطلة أمام محطات الوقود فى كل مكان،كما ظهرت على الفور كالعادة السوق السوداء للسولار،ومن ثم رفع سائقو الميكروباص الأجرة.. وبدأت المشادات بين الركاب والسائقين تتفاقم.

مسلسل الأزمات "العجيبة" التى بدأت تخيم على سماء مصر بشكل منتظم، دفعنى إلى تبنى نظرية المؤامرة التى أمقتها وأعتبرها طوال الوقت مجرد شماعة سهلة للهروب من البحث عن جذور المشكلات الحقيقية.. لكن هذه المرة أظن أننى محق بل أصر على ذلك.. فمع كل أزمة يخرج علينا المسئولون ويقسمون بأغلظ الأيمان أنه لا توجد أزمة وأن المشكلة "مفتعلة" وهناك من يستفيد من وجودها، حدث هذا مع نقص الخبز والغاز والبنزين المدعوم ويحدث حالياً مع أزمة السولار أيضا.

الأمر المدهش أن طوابير العيش اختفت فجأة، وتراجعت فترات انتظار المواطن أمام المخابز حتى وصلت إلى معدلها الطبيعى.. نفس الشىء حدث مع ندرة أسطوانات الغاز وانتهت الأزمة تقريبا.. فى الحالتين لم يكلف أى مسئول نفسه عناء تقديم تبرير منطقى لظهور هذا النوع من الأزمات المفاجئة..كما لم يفسروا لنا الإجراءات التى تم اتخاذها لمواجهة هذا النوع من الأزمات وضمانات منع تفاقمها مرة أخرى.. طبعاً ستختفى أزمة السولار.. لكن المسئولين مُصرون على أنها أيضا أزمة "مفتعلة" وأن السولار متوافر فى جميع المحطات يعنى المواطنين بـ"يتلككوا".

إن كل ما يشغلنى الآن هو التفكير فى الأزمة القادمة، فهل يا ترى ستكون فى نقص الكهرباء مثلاً وأن الناس سيكون كل أملهم أن يعود التيار كل عدة ساعات حتى لا تتلف أطعمتهم ويتمكن أبناؤهم من تحصيل دروسهم؟أم تكون مع انقطاع مياه الشرب، وأن تصبح غاية كل مواطن أن يجد ما يروى به ظمأه؟ وهل سيخرج علينا مسئولو الكهرباء والمياه ليكرروا أسطوانتهم "المشروخة" بأنه لا توجد أزمة وأن الأمر كله افتعال فى افتعال؟

أخشى أن تتحول حياة المواطن المصرى فى الفترة القادمة إلى صراع مزمن ومزعج مع مسلسل الأزمات "المفاجئة" التى لا تنتهى والتى تحولت إلى "ألغاز" عجزت الحكومة كما يبدو عن فك طلاسمها، حتى أصبحت تظهر الأزمة وتختفى بدون أن يعرف أحد من يقف ورائها ومن هو صاحب المصلحة فى إصابتنا جميعاً بالتوتر والقلق الدائم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة