العرب ليسوا أبداً ضعفاء بحسابات الجغرافيا والاقتصاد والثروة البشرية، لكن مجموع إراداتهم ضعيف وقدرتهم على التأثير والتحرك إقليمياً وعالمياً ضعيفة.
والفلسطينيون ليسوا ضعفاء بحسابات المقاومة والحقوق الراسخة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1947 حتى الآن، لكنهم استضعفوا أنفسهم بأنفسهم، بعد سماحهم باختراق أجهزة الاحتلال الإسرائيلى لدوائرهم ومفاصلهم، مثلما سمحوا لعديد من الأنظمة العربية باستغلالهم وتوظيفهم لحل مشاكلها دون النظر لتأثير هذا الاستغلال على عدالة القضية الفلسطينية.
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استغلت هذه الفجوة بين الإمكانات العربية والفلسطينية وبين المتحقق فى الواقع، وبنت عليها سياساتها العدوانية والتوسعية لابتلاع كامل الأراضى الفلسطينية وإلغاء الشعب الفلسطينى، أو وضعه فى أحسن الأحوال داخل "معازل" أشبه بمعازل الهنود الحمر الحالية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كانوا هم أصحاب الأرض وأصحاب القضية العادلة فى مواجهة الأجداد الأوربيين للأمريكيين الحاليين.
وافتتاح حكومة نتانياهو أمس الاثنين "كنيس الخراب"، على بعد أمتار من المسجد الأقصى، وكذا إعلان نتانياهو أن الاستيطان مستمر فى القدس الشرقية لاستكمال تهويد كامل القدس باعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل، هو مجرد حلقة من حلقات استغلال الاستضعاف العربى والفلسطينى.
ولعل أبلغ مظاهر هذا الاستضعاف هو توقع أن تدافع الدول الكبرى عن قضيتنا العادلة، بينما نكتفى نحن بالشجب والصراخ والتنديد، فقد خرج أكثر من مسئول فلسطينى أمس مطالبين الإدارة الأمريكية بحماية القدس، كيف تحميها ولم يحمها الفلسطينيون والعرب بانقسامهم وتشرذمهم وسوء تخطيطهم وعدم إدراكهم للمخططات الإسرائيلية.. وعدم رغبتهم الحقيقية فى مواجهتها؟!
ومثالاً على ذلك أن الأطراف الفلسطينية والعربية تعرف جيداً توجهات رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى منذ إصداره لكتابه العنصرى المتطرف "مكان تحت الشمس"، والذى يتضح من خلاله سعيه لأن يكون أول مسئول إسرائيلى يحقق الهيكل الثالث ويبتلع القدس بشطريها نهائياً، مع ترحيل الكتلة العربية داخل أراضى 1948.
من مظاهر الاستضعاف العربى والفلسطينى أيضاً وضع مجمل الإرادات العربية رهن الإرادة المتغيرة المنحازة للإدارات الأمريكية، وعدم التحرك بجدية لتغيير توجهاتها مثلما تفعل الإرادة الإسرائيلية، ونذكّر فقط بموقف أوباما من الاستيطان فى الأراضى المحتلة بعد 1967 قبل توليه الرئاسة وبعد توليه مباشرة، وكيف ضغط فى مرحلة أولى لتنفيذ رؤيته قبل أن يلحقها التغيير بفعل التأثير والتخطيط الإسرائيليين، فماذا فعلنا نحن العرب والفلسطينيين؟!
اكتفينا بالاستبشار بموقف أوباما الأول من الاستيطان، وتوقعنا أن يقوم بالمهمة ويردع إسرائيل وحلمها الاستيطانى التوسعى نيابة عنا، وتركناه يواجه التأثير الإسرائيلى متخيلين أنه عربى مثلنا، وليس رئيس أكبر دولة فى العالم بانحيازاتها المعروفة لإسرائيل واستخدامها لها فى السيطرة على الشرق الأوسط لحساب المصالح الأمريكية أولا.
افتتاح كنيس الخراب أو اقتحام المسجد الأقصى عدوان إسرائيلى سافر نعم، لكنه نتيجة منطقية لتقاعسنا واستضعافنا لأنفسنا، ولا يصح بعد ذلك أن نلوم إلا أنفسنا متذكرين الكلمات التى سمعها آخر الملوك المسلمين فى الأندلس أبو عبد الله الصغير من أمه وهو يسلم مفاتيح ملكه للأسبان: "إبك كالنساء على ملك لم تستطع الحفاظ عليه كالرجال".