بعد الاطلاع على القانون والدستور والعرف، وما وقع من حوادث وما جرى من فساد، وقبل أن تشعر بالدهشة، أو الهرش، فإن المواطن هو المسئول الأول والوحيد عن كل ما جرى للمصريين خلال السنوات الماضية والقادمة، وما يمكن أن يقع من كوارث أو حوادث أو كملمات، ويفترض أن تصدر أحكام مختلفة ضد المواطنين فى أنحاء مصر، لأنهم يموتون فى القطارات ويشربون مياه ملوثة عمدا مع سبق الإصرار والتلوث. وفى كل مصيبة تقع، أو كارثة، يفترض أن تقع، فإن هذا الكائن المسمى جدلا بالمواطن أو المحدود أو اللى ما يتسمى هو الذى يورد نفسه موارد التهلكة. والحقيقة أن هذا ليس من عندى ولا من بنات أفكارى أو أولاد تخيلاتى، بل هو أمر ثابت بأحكام القضاء، والبينة.
ولننظر إلى أحكام المحاكم التى صدرت بخصوص الكوارث والمصائب التى وقعت للمواطنين فى أنحاء مصر، لا أقصد فقط حكم مستأنف العياط الذى خفف الأحكام عن المتهمين فى حادث العياط، الذى يتوقع أن تلغيه محكمة النقض كما سبق وألغت أحكاما بالحبس ضد من تم تقديمهم كمتهمين فى حادث قطار الصعيد المحترق، والعياط الأول والعياط الثانى، وكفر الدوار والقليوبية وطنطا وما يستجد.
ونحن هنا لا نعلق على أحكام القضاء، بل نراها عنوانا للحقيقة، لأن المسئولين الأساسيين فى هذه الحوادث لا يتم تقديمهم للمحاكمة، ويظلون أبرياء، وبالتالى يرجعون لارتكاب نفس الجريمة.
وقد سبق أن قدمت الحكومة عددا من المتهمين فى حريق قطار الصعيد المنشور وبعدها العياط وقبلها كفر الدوار، وفى كل مرة تبدأ الاتهامات بالاتجاه نحو شىء أو شخص فى انقلاب قطار كفر الدوار اتهم رجالات السكة الحديد والوزارة اتهموا الجزرة التى اتضح أنها قطعة صغيرة يمكن أن توقف القطار، وأن هذه الجزرة متروكة فى العراء لكل من هب ودب.
يومها لم يصل التحقيق إلى اللاعب فى الجزرة ويبدو أنه هرب خارج البلاد، وعندما ضاق الخناق على الوزير ورئيس الهيئة وقتها قدموا أى شخص، وكان السائق مات وتم الحكم بالحبس على المتهمين امتصاصا للغضب العام ثم خرجوا، لأنهم غير كمسئولين، وفى حريق قطار الصعيد اتهموا وابور الجاز بأنه سبب الحريق، لأن مواطنا أراد أن يشرب شاى فأشعل وابور فاشتعل الحريق ووقع المكروه، وقدمت الحكومة تقريرا اتهم وابور الجاز، مع أن هذا التقرير تم دحضه وتكذيبة فلم يتم التنازل عن الأمر وتم تقديم كباش فداء لزوم امتصاص الغضب وإقالة وزير.
وفى العياط تم اتهام جاموسة ولأنها ماتت تركوها، وأحالوا شوية عمال فى الهيئة صدرت ضدهم أحكام من ست سنوات إلى سنة تم تخفيفها من 3 سنوات إلى 6 أشهر وينتظر أن يلغى هذا الحكم مثل غيره. والسبب أن المواطن هو الفاعل المستتر تقديره محدود، وأن هذا المواطن دائما يهرب بأموال البنوك ويركب قطارات يلعب فى جزرتها ويشرب فيها الشاى فتحترق أو تنقلب، وربما جاموسة المواطن أبو جاموسة هى التى ماتت بعد عملية انتحارية.
وهو ما يعيدنا إلى النقطة الأولى أن المواطن هو السبب. ليس فقط فى القطارات، لكن أيضا فى البرادعة بالقليوبية التى أصيب 119 من أهلها بمرض التيفود، وأثبتت التقارير أن المياه فاسدة وملوثة وقاتلة وتم تبادل الاتهامات بين المحافظة وشركة المقاولين، وبرأ المسئولون أنفسهم وتم إحالة 9 موظفين غلابة لأحول لهم ولاقوه، انتهت المحكمة بتبرئتهم. لنكتشف أن المواطن وحده هو الذى يفترض أن يدان لأنه شرب ماء مخلوطا بالمجارى أو ركب قطارا فاحترق أو انقلب. هؤلاء هم المتهمون وليس المحافظين على كمناصبهم ولا الوزراء ورؤساء الشركات وكبار المسئولين الذين يثبتون براءتهم ويتم تحويل عامل أو موظفى يخرج براءة، ولهذا يتوقع أن تتكرر الكوارث تنقلب القطارات وتتلوث المياه ويموت المواطن ولن يسال وزير أو محافظ أو مدير، بل سيتم توجيه السؤال إلى مواطن محدود تسبب فى قتل محدود، مع سبق الإصرار ولا يمكن اتهام الحكومة، لأنها لا تركب القطار، ولا تشرب ماء الحنفية، وبناء عليه مطلوب ضبط وإحضار الشعب المصرى فهو المسئول عما جرى ويجرى، فهو الذى يزور الانتخابات، ويقلب القطارات ويلوث المياه. ثم يدعى زورا على حكومة بريئة براءة الحكومة من كوارث البلاد.. بينما المواطن الذى يتكون منه الشعب متهم حتى يثبت العكس، ومطلوب القبض على الشعب بتهمة الإهمال، ولو حتى على سبيل الاستهبال.