وضعتك فى ورطة كبيرة، وجئت بك إلى حيث وجع الدماغ ودوشة المشاكل، أحضرتك دون استئذان إلى حيث عالم الأحلام التى تموت قبل أن تكتمل أو تلك التى تتحول إلى كوابيس فى ليال سوادها أغمق من قرن الخروب.. فهل تقبل اعتذارى؟!
آسف لأنى ورطتك فى حمل هموم وطن لا تكف آبار أحزانه وكوارثه عن الفيضان، آسف لأننى لم ألب تلك الدعوة التى طلبت منى يوما ما الهجرة إلى أوروبا حيث لا حدود للانطلاق أمام الموهوبين والأكفاء وبالتالى أجبرتك دون اختيار على أن تعيش لتكبر وأنت تصارع أمواج الوساطة والمحسوبية والفساد..
آسف لأننى سوف أضعك بعد سنوات من الآن على أول سلمة لمنظومة تعليمية قد تقتل أحلامك وتبيد موهبتك ويدفعك مكتب تنسيقها إلى الهروب أو الانتحار، آسف لأننى جئت بك مواطنا فى بلد لا يتغير حكامه، ولا يخلص معارضوه فى الهتاف ضد من يحكمونه ليسرقوها، وآسف لأنك ستقرأ يوما عن فلان أو فلان باعتبارهم رموزا للنضال ولن أستطيع أن أخبرك بأنهم شاركوا فى بيع البلد ودمروا خيال ناسه حينما أوهموهم بأنهم قادرون على إزالة نظام يحكم منذ 30 سنة فى 6 شهور فقط بمظاهرات مليانة هتافات وليس بالتخطيط وببناء وعى جمعى قوى.
آسف بشدة لأننى لا أقوى على أن أقدم لك وعداً بأن ترى كل فترة صوراً فى الصحف أو أعلى سبورة المدرسة أو على جدران المصالح الحكومية غير التى رأيتها أنا، آسف جداً لأننى حملتك جنسية وطن لا تحميك من الإهانة بداخله أو لا ترفع عنك سفاراته الأذى خارجه..
بجد آسف لأننى أخطط لتربيتك بطريقة لن تجعلك من ملاك القصور، أو من هؤلاء الذين يحترفون بيع الهواء فى «قزايز» أو تحويل التراب لذهب، أو استخدام الكلمات الكاذبة لصناعة جسور يعبرون بها إلى حيث عالم المادة والفساد..
آسف لأنك ستصبح مضطراً بعد قليل لأن تستمع إلى هيفاء وهبى وبوسى سمير ومروى، وتشاهد منة فضالى وسمية الخشاب وغادة عبدالرازق، وتقرأ لأحمد موسى ومن معه من أساتذة صحف الحكومة..
آسف لأن عينك بعد قليل سيتعرض صفاؤها ونقاؤها الذى يبهرنى إلى حالة عكارة بسبب مقالب الزبالة وأشباه البشر النائمين على الأرصفة وطوابير الطعام والأنابيب.. وآسف أكثر لأنك لن تهنأ بنومك فى السيارة بسبب المطبات وفواصل الكبارى والهبوطات الأرضية والبلاعات، وآسف أكثر وأكثر لأننى لا أملك ثمن شراء معمل تحاليل متنقل لكى يسير بجوارك ويحميك من تلوث الماء والهواء وعقول البشر وتطرف المتعصبين، وأعتذر بقوة لأننى لا أعرف أى سوق فى مصر يمكننى أن أشترى لك منها خضاراً أو فاكهة لم تروها سموم المصانع أو الصرف الصحى..
آسف رغم أننى على يقين أن الأسف لا يكفى لكى تغفر لى تلك الورطة التى وضعتك بها، ولكن اسمح لى أن أخبرك بأن ثقتى فيك بلا حدود، وهل يمكن أن أشك ولو للحظة فيك وفى قوتك وشجاعتك التى أثبتها حينما قررت أنت وبكامل إرادتك أن تكمل مشوار التسعة أشهر داخل رحم أمك دون أن تسقط مثلما فعل إخوتك من قبل، وقرروا الهروب قبل رؤية ساحة المعركة التى دخلتها أنت هادئا دون أن تسبب لأمك ذلك الوجع التى كانت تسمع عنه وتخشاه؟! هل يمكن يا يحيى أن أشك فى قدرتك على مواجهة تلك الصعاب بعد أن رأيت لمعة عينيك التى توحى بالقوة النابعة من الحق؟ هل يمكن أن أشك فى قدرتك على تجاوز مخاوفى تلك، وأنا الذى لم أكف عن الدعاء بأن يرزقك الله رضاه وحبه ويجعلك من السائرين على دروب حقه؟ أنا أثق فيك يا يحيى وأثق أنه لن يأتى اليوم الذى تلعن فيه أباك اللى هو أنا- لأنه ورطك تلك الورطة التى أعلم تماماً أنها صعبة وصعبة أوى كمان.. بس أملى إن ربنا هيعينك عليها!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة