المستشار محمد مختار هو الوحيد بين مستشارى مجلس الدولة الذى أعطى صوته مؤيدا لتعيين القاضيات من بين 319 مستشارا اجتمعوا أمس فى الجمعية العمومية للمجلس.
قد يكون من الأسباب التى دعت المستشار مختار إلى اتخاذ موقفه المشرف والتاريخى أنه زوج ابنة المستشار محمد الحسينى رئيس مجلس الدولة وصاحب الموقف المؤيد لتعيين القاضيات.، لكن ذلك لا يمنع من أن موقف المستشارين الحسينى ومختار هو القاعدة التى سوف تستند عليها كل المواقف المؤيدة لإقامة دولة مدنية عصرية فى مصر.
الشواهد كلها تؤكد أننا فى مفترق طرق بين اتجاهين ،لا مجال لعقد صفقة وسطية بينهما ، الأول يريد العودة إلى غياهب الدولة الدينية هاربا إلى لحظة ذهبية كانت فيها الإمبراطورية الإسلامية هى الغالبة على العالم بفضل عطائها العلمى والثقافى والإنسانى، والاتجاه الثانى يطمح إلى الانفلات من أسر التخلف إلى نوع من الدولة المدنية الحديثة التى تقوم على إرساء القانون والمواطنة والمساواة.
ولأسباب عديدة منها الاقتصادى والسياسى، تسود حالة من الاحتقان والانفعال غالبية النخبة المصرية، بحيث تأتى أفعالها عبارة عن ردود أفعال يغلب عليها المواجهة الضيقة والعناد أكثر مما بها من المصلحة العامة والرؤية المستقبلية التى ترجو صالح الوطن، وكأن النقابات المهنية والنوادى الفئوية أصبحت المناطق المحررة الوحيدة فى هذا البلد ، بعد أن تراجع الأداء السياسى للأحزاب وفقدت قدرتها على بلورة حراك سياسى أو التأثير فى النظام أو تحريك الرأى العام.
وعندما يصيب الركود والعطن الحياة السياسية نصل إلى حالة من الفراغ تملؤها قضايا زائفة، أو أسئلة بديهية وتوجهات لا تناسب العصر، بعضها يعود لأيام الزهو الحضارى الإسلامى الذى دفع أصحابه من المسلمين القدامى الثمن كاملا لقاء تحقيقه، بينما يرفض المسلمون المعاصرون دفع أى ثمن من الاجتهاد العلمى والفكرى ويرغبون فى القفز على الحضارة لمجرد التسبيح بحمد الماضى التليد، وبعضها يعود إلى المد الثورى المجانى الذى لم يحسب رجاله المسافة التى يمكن أن تصل إليها أيديهم وقدراتهم فعلا، وورثت بعض النخب هذا الخلط وظلت تمارسه دون تفكير أو تمحيص.
ولكن ما مدى صحة هذه الاستنتاجات المرعبة؟، لا أدل على هذه الاستنتاجات من اعتقاد فئات من النخبة المصرية أن الرجل أعلى مكانة من المرأة، وأن معيار تقلد المناصب يحكمه النوع وليس الكفاءة والمؤهلات العلمية، حتى لم يبق أنصار نفى المرأة وحجبها وخنقها واعتبارها مواطنا من الدرجة الثانية إلا أن يطالبوا بالعودة إلى حزام العفة ، ولكن عليهم أن يسألوا أنفسهم، هل يستوردونه من الصين أم من أوربا لأنهم عاجزون عن إنتاجه!