د. بليغ حمدى

شيخ الأزهر.. قبل أن تجلس على الكرسى

السبت، 20 مارس 2010 07:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر، أقصد الأزهر الشريف، هو المكان الرسمى الوحيد فى مصر الذى لن يقدم رئيسه على نقد سابقيه ممن جلسوا وتربعوا على كرسى المشيخة، لا لضعف أو قصور أو قلة حيلة أو خوف، إنما لجلالة وهيبة المنصب الدينى الرفيع.

فلم نسمع يوماً أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى (رحمه الله) قد انتقد يوماً ما فضيلة العالم الجليل والقطب الرائع الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق بعد وفاة الأخير، وهكذا فإننا مسبقاً نعلم وندرك أن الدكتور أحمد الطيب الذى تولى أمر الأزهر الشريف منذ ساعات قليلة لن يجرؤ على نقد سابقيه، وربما يرى بعض المحللين أن هذه الظاهرة تعد محمودةً ومرغوبة.

ولاشك أننى اغتبطت فرحاً عندما علمت بصدور القرار الجمهورى بتعيين الدكتور أحمد الطيب شيخاً للأزهر الشريف، كانت تلك الغبطة نتيجة معرفة سابقة بتاريخ هذا الرجل التى يمكن وصفها بعبارة "مسيرة كفاح" والعاملون بالأزهر الشريف ومؤسساته التى تحتاج إلى تغيير شامل وليس تعديلاً يعرفون السيرة العلمية والدينية لشيخهم الجديد مما يجعلهم وغيرهم من المهتمين بالعمل الدينى فى شوق مستدام ورغبة حقيقية فى تطوير عمل المؤسسات الدينية.

ولعلى أدرك يقيناً أن فضيلة الإمام الأكبر الجديد شيخ الأزهر يعلم مأساة الخطاب الدينى المعاصر، ويفطن للتحديات التى مازالت تواجه الإسلام ديانة ومعتنقين.
وأظن أن فرقاً كبيراً بين توليه منصب الإفتاء، ومنصب رئيس لجامعة نوعية، وبين توليه رئاسة أكبر مؤسسة دينية فى العالمين العربى والإسلامى.

وربما فضيلة الإمام الأكبر الجديد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من المسئولين المحظوظين، لأنه سيذهب إلى الأزهر الشريف وهو يعرف تمام المعرفة مشكلات ومهمات ومسئوليات عمله الجديد، ولكن المعرفة وحدها لا تكفى وتفى بالغرض، ولا العزيمة وحدها من شأنها أن تحقق آمال الرجل الذى يسعى بالضرورة إلى خدمة الإسلام والمسلمين، فقد تكون المشكلات التى تمثل تحديات عائقة أمام الخطاب الدينى سهلة وبسيطة، لكن ربما تبدو الوسائل والوسائط والإمكانات المتاحة لإزالة هذه العقبات معدمة وفقيرة.

وكم سأكون سعيداً وفرحاً عندما أعلم أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب سيدرك سريعا ًـ وهذا ظنى الحسن به وبمقامه الرفيع ـ أن مشكلة الخطاب الدينى لا تتمثل فى الكتب الدينية والمصادر المعرفية التى يستقى منها الخطباء والأئمة معارفهم، بل تتمثل فيهم أنفسهم، فلا تزال عقدة الثقة هى المحك الرئيس لاختيار الإمام والخطيب بل والمعلم الأزهرى أيضاً، وسط تجاهل مستمر ومعلن لمعايير أخرى كالكفاءة والخبرة المستدامة غير المنقطعة فى الدراسة وحضور المؤتمرات والندوات.

وكنت قد كتبت مقالاً باليوم السابع منذ شهور بعيدة بعنوان (كشف هيئة) قصدت فيه ضرورة الأخذ بمعايير المعرفة المستمرة والخبرة العلمية الناجحة لمن تؤول إليه مهمة الخطابة والإمامة، لاسيما هذه الآونة التى نرى فيها الفتنة يقظة ولم تعد نائمة كما كانت، وفى الوقت ذاته الذى نشاهد فيه بعض أباطرة الفضائيات الفراغية المهووسة وهم يدغدغون مشاعر وأعصاب البسطاء من المشاهدين، وبالمناسبة نحمد الله أن مصر تكاد تفرغ من المبدعين والمثقفين ورجال الفكر المستنير وإلا لشاهدنا رجلاً موتوراً يقدم على اغتيال مبدع أو مفكر أو أديب مثلما حدث للأديب العالمى نجيب محفوظ، أو كما جرى للمفكر فرج فودة وغيرهما كثير.

ولقد جاءت الفرصة سانحة لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وهو أكاديمى دارس للفلسفة، فربما احتاج إليها لتصحيح صورة الإسلام التى استقرت بعيون الغرب من وصف معتنقيها بالقتلة والمجرمين والجهلة بالحضارة المادية، وإن كنا قد نعتنا الدكتور محمد سيد طنطاوى فى مقالنا السابق بأنه كان رجلاً مستنيراً، فالإمام الأكبر الحالى لا يختلف عن سابقه، ولكن الآن تلك الاستنارة هى فى موضع اختبار وامتحان، وعلى فضيلة الإمام الأكبر أن يستعين برجالات يدركون طبيعة المهمة الثقيلة، تكليفاً لا تشريفاً.

وأقولها صادقاً لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: قبل أن تجلس على كرسى المشيخة لابد وأن تعى بأنك مقدم على معارك ضارية لابد من حسمها سريعا، أبرزها الخطاب الدينى الذى تردى، ونادى الرئيس مبارك بضرورة تجديده وتطويره، ومنها صورة الإسلام فى الإعلام الغربى، الذى بات يصور ويجسد المسلم فى المقالات والدراسات العلمية وحتى فى الأفلام السنيمائية على أنه بدوى جاهل مسعور.

وإذا كانت هناك سياسات مخططة ومشبوهة لتشويه صورة وحقيقة الإسلام، بالإضافة أو وجود منظمات تستهدف الوحدة الوطنية والنسيج الواحد بين أبناء هذا الوطن مسلمين وأقباط، فعلى المؤسسة الدينية الرسمية أن تعى وتفطن وتدرك تلك المساعى المحمومة فتتصدى لها بأساليب معاصرة كالحوار والحجة والعمل التعاونى المشترك، وأظن أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب قادر -إن شاء الله- على مواجهة تلك التحديات والمشكلات.

* أكاديمى مصرى








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة