مع اقتراب موعد انطلاق القمة العربية المرتقبة فى مدينة "سرت" الليبية، تتصاعد وتيرة الترقب عند الرأى العام العربى، حيث اعتاد على انتظار المفاجآت السياسية المثيرة دائماً من الزعيم الليبى معمر القذافى فى مثل هذه المناسبات.. أنظار الكثير من العرب تتطلع حالياً صوب "سرت"، تلك المدينة الساحلية الجميلة التى أسسها الفاطميون فى القرن الحادى عشر الميلادى، واختارتها السلطات الليبية لتكون مقراً للقمة العربية العادية رقم 22 فى تاريخ القمم العربية.
أغلب العرب سيبقون فى حال وانتظار لما ستشهده القمة من مناقشات ساخنة، وما ستنتهى إليه من قرارات يُفترض أن تكون حاسمة، خاصة أن "سرت" كانت المقر الذى اختاره القذافى ليعلن منه ميلاد حلمه الكبير فى تدشين الاتحاد الأفريقى قبل أكثر من عشر سنوات.
إن قمة سرت تضع العقيد الليبى أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يترك الحدث يمر مرور الكرام، ويكتفى بالاحتفاء بضيوفه العرب، وأن تصبح اجتماعات القمة مجرد مكلمة وجلسات "ونسة" لطيفة على الطريقة السودانية، بعدها يعود الجميع من حيث أتوا وكفى الله المؤمنين شر القتال.
أما الخيار الثانى هو الأقرب لميول الأخ قائد الثورة الليبية، أن يقلب طاولة الاجتماع رأساً على عقب، ويفتح كل الملفات المؤجلة ويطرح كل القضايا والهموم العربية المسكوت عنها على الملأ، وبذلك يفرض على المشاركين واقعاً جديداً عبر سلسلة من القرارات والإجراءات السياسية المفاجئة، ومن ثم تتخذ قمة "سرت" مكانها المناسب بجانب القمم العربية التاريخية، التى جرت فى القاهرة 1964 والخرطوم 1967، والرباط 1974.. لكن ما المفاجآت التى يمكن أن تنتظر القادة العرب فى مدينة "سرت" التاريخية الهادئة؟
سأجتهد هنا قدر الإمكان لطرح بعض الأفكار التى ربما يكون الأخ قائد الثورة قد ناقشها بالفعل مع مستشاريه ومساعديه، وهم يضعون اللمسات الأخيرة لأجندة القمة.. فبالنسبة للملف الفلسطينى، يمكن أن يتم منح مقعد فلسطين فى القمة لممثلى حركة حماس، بسبب غياب الرئيس الفلسطينى الذى أعلن مقاطعته للقمة احتجاجاً على دعوة ليبيا بعض قادة حماس لبحث المعوقات التى تعترض طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وهو الأمل الذى طال انتظاره عبر جولات عديدة غير مثمرة.. فى نفس الإطار وفى حال غياب المملكة السعودية أيضاً عن القمة أو تخفيض مستوى مشاركتها.. هنا يمكن للقمة أن تتبنى قراراً بسحب المبادرة العربية التى يرعاها شخصيا العاهل السعودى عبد الله بن عبد العزيز منذ أن قدمها للقمة الـ14 فى بيروت 2002.. مثل هذا القرار سيجد دعماً قوياً من جانب وفود دول "الممانعة" التى تأتى سوريا فى مقدمتها بجانب لبنان وقطر وفلسطين، ومن المتوقع أن يلقى مثل هذا القرار تأييداً شعبياً فى الشارع العربى، على خلفية انتعاش حركة الاستيطان والتهويد فى القدس الشرقية، وتصاعد تهديدات المتطرفون اليهود الأخيرة لهدم المسجد الأقصى المبارك.
وعلى الصعيد القومى، فمن الممكن أن تتقدم ليبيا بمقترح يقضى بإعلان قيام الوحدة العربية بصورة مباشرة، بعد طرحه للتصويت على القادة المشاركين فى القمة، ثم الإعلان عن إجراءات عملية تتضمن إلغاء العمل بنظام التأشيرات، وفتح الحدود دون قيد أو شرط أمام الشعوب العربية، وإمعاناً فى الإحراج ستكون ليبيا أول دولة تطبق هذه الإجراءات فوراً مع جيرانها !!
أما المفاجأة التى ربما تكون الأكثر إثارة أن يعلن القذافى باعتباره رئيساً للقمة قراراً بحل الجامعة العربية، وتسريح موظفيها وتحميلها المسئولية لما وصل إليه حال العرب من وضع إقليمى ودولى مزرى، بعد أن ثبت فشلها فى أكثر من اختبار تعرضت له منذ تأسيسها، حيث لم تقدم الدعم والمساندة لحل أزمة الشعب الفلسطينى، ولم تنجح فى وقف الغزو الأمريكى للعراق، ولا إعادة الأمن المفقود إلى الصومال ولا جلب الاستقرار لليمن.. وبمرور الزمن تحولت الجامعة إلى كيان هزيل وعبء ثقيل على كاهل الشعوب العربية.. أتصور أن العقيد القذافى أمامه فرصة ذهبية لإيقاظ الأمة من غفلتها وإحياء روح القومية العربية من ثباتها الطويل بعد أن فقدت الشعوب أى أمل فى استعادة كرامتها وحريتها فى العقود الأخيرة.. فهل يضحى القذافى برضا الملوك والرؤساء، مقابل الاستجابة لأحلام وطموحات الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج؟
رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة