د. بليغ حمدى

طائرة الرئيس والشيخ البرادعى

الإثنين، 29 مارس 2010 07:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنعم على الإنسان بقلب يدق ويتفاعل مع حالات النفس الإنسانية من قلق وخوف وحزن وفرح وسعادة وتوتر، كنت من المصريين الذين فرحوا وسعدوا عندما وجدت الرئيس مبارك ينزل من على سلم طائرته الرئاسية بمطار شرم الشيخ أول أمس السبت بحمد الله قادماً من ألمانيا بعد جراحة له.

والمصريون يمتازون بحكم حضارتهم الضاربة فى عمق التاريخ بفطرتهم الرقيقة وهم يستقبلون خبراً أو حادثة سعيدة، مثلما تراهم ملتحمين جسداً واحداً وقت الشدة، وهذا ما رصدته بعيون وألسنة من تحاورت معهم بشأن عودة الرئيس مبارك سالماً غانماً من رحلته العلاجية.

فمعظم من قابلتهم ـ وهم يحملون بصدورهم انتقادات حادة للنظام السياسى فى مصر ـ وجدته مغتبطاً بمشهد هبوط طائرة الرئيس مبارك والسيدة قرينته صباح السبت، رغم أنهم اعتادوا الهجوم على شخص الرئيس وسياساته وأعمال ومهام وزرائه الذين لاشك وجدوا حرجاً شديداً وهم يباشرون أعباءهم الوزارية فى ظل غياب الرئيس.

ومن أعجب ما قرأته من تعليقات القراء الأعزاء والرسائل الإليكترونية التى استقبلتها بعد مقالى باليوم السابع (أبى رئيس الجمهورية) إنها تحترف الصيد والقنص لكل من أشار إلى جهود الرئيس، ووصف البعض مقالى وبعض مقالات الزملاء الأفاضل بأننا من جوقة الرئيس وحملة المزاهر والطبول، لكن الأمر مختلف تماماً، فلماذا يصر البعض بأن تعرض المرء لوعكة صحية هو غضب من الله وليس ابتلاء يمحص الله فيه عبده، ويختبر فيه آخرين.

وهذا ما حدث بالفعل، أى فى ظل غياب الرئيس مبارك عن البلاد، فالبداية اعتقد البعض أن غيابه الذى استمر أكثر من أسبوعين فرصة طيبة لأولئك الذين يطمحون فى مصر وكأنها غنيمة أو صيد ثمين فى الصحراء.

فأغلب رموز المعارضة فى مصر والأخوة المتزعمون لحركات الإصلاح الدستورى والسياسى والمجتمعى كانوا يعلقون فشلهم المجتمعى والالتحام الجماهيرى لهم على شماعة سطوة الرئيس ونفوذه ووجوده المطلق فى الإعلام بشتى صوره وأشكاله، ولقد ظنوا أن العمل السياسى المجتمعى يقتصر على مجرد الظهور بالبرامج التليفزيونية، وتعليق صورهم على صفحات الجرائد والمجلات.

جاءتهم الفرصة سانحة عقب مغادرة الرئيس مبارك البلاد وحتى عودته إلى أرض الوطن سالماً بحمد الله فماذا صنعوا سوى ما اعتدنا عليه من هجوم ومعارضة ورفض وتحامل وتنديد بسياسات النظام والحزب الوطنى الذى لم يسلم منه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، فوجهت له انتقادات عضويته بالحزب الحاكم رغم ما يتمتع به فضيلته من سمعة طيبة ونزاهة متأصلة ولكن هى ريما التى تعود لعاداتها وطبائعها القديمة.

وعودة سريعة لما جرى بمصر قبيل وصول طائرة الرئيس مبارك البلاد، فيبدو أن المقربين للدكتور البرادعى والدكتور أيمن نور قد أشاروا عليهم بضرورة دغدغة مشاعر المصريين كخطوة أولى للوصول إلى قلوبهم، وهذا الشعب حقاً يبدو غريباً كل الشئ وليس بعضه؛ فتراه يهرول نحو الكليبات الفاضحة، ويعشق الهتاف الخارج نسبياً على تقاليدنا العريقة وهو يشاهد مباريات كرة القدم التى حسمها اتحاد الكرة للفريق الأحمر الشعبى الجماهيرى الاشتراكى، أو ترى بعضاً منهم يتلذذ وهو يشاهد برنامجاً يستضيف بعض الساقطات وهن يحكين مسيرتهن التاريخية فى طريق السقوط والرذيلة.

ومع ذلك إذا أردت أن تحجب كل ذلك عنه حدثه عن الدين، والقضايا الفقهية الخلافية التى لا يجيدها أو يفطن سرها، أو اجعله يراك وأنت تصلى بجواره فسيسرع بإصدار حكمه المطلق عليك بأنك أتقى أهل الأرض.

فالدكتور محمد البرادعى اقتنص نصيحة المقربين بتواجده بالمشهد الحسينى قبيل صلاة الجمعة ماشياً على الأقدام فى ظل حماية وحراسة أفراد الأمن الذى طالما ندد أنصاره بهم وبوزيرهم السيد حبيب العادلى، ومع ذلك كانوا هم أول من أشاد بدورهم المحترم فى حمايتهم وحماية مرشحهم الافتراضى الدكتور البرادعى الذى مازلت مصراً على ضرورة تفرغه الكامل والمستدام لخدمة مصر من الناحية العلمية والأكاديمية لأننا فى هذه الناحية سقطنا وهوينا بعيداً.

ولأننا شعب اعتاد الدخول إلى قلبه عن طريق الدين التف حوله المصلون وربما بعضهم لم يعرف شكله لكنه سمع عن الرجل العالم الذى وجد فى إحالته للتفرغ من عمله بالوكالة الدولية للطاقة فرصة طيبة فى تعديل الدستور المصرى، والمجتمع المصرى، والشارع المصرى، والقانون المصرى، وكل ما هو مصرى إن شاء الله.

لدرجة أن الدكتور البرادعى قال بعدما وجد التفافاً غير عادى حوله ـ نظراً لأنه اعتاد ركوب الطائرات الفئة الأولى ولم يعرف شكل وحقيقة وطبيعة عم فتحى بائع الخضروات أو الحاجة سعاد التى تبيع السولار يوم الجمعة من أجل إطعام أولادها أو المواطن بسيونى الذى راح ضحية الحصول على أسطوانة البوتوجاز ـ أن الناس حاسة باللى بنعمله، وأنا أتساءل ما هذا الذى عمله الرجل الافتراضى منذ ثلاثين سنة لوطنه الأول مصر، لاسيما وأنه يحمل جنسية أجنبية أخرى؟.

وكيف سيفكر الأقباط فى مصر بخصوص الدكتور البرادعى وهو بالمشهد الحسينى وسط جموع المسلمين رغم أنه صرح أكثر من مرة بجواز تولى القبطى رئاسة الجمهورية؟.

إذا أراد الرجل ورفاقه الإصلاح فعلاً لهذا الوطن فكان من الأحرى عليهم أولاً أن يتفانى كل عنصر منهم فى عمله الأساسى والرئيسى، الأستاذ فى جامعته التى أصبحت مكاناً هادئاً للقاء الأحبة، والخطيب الذى تفرغ لبث الفتنة الطائفية والعنصرية الدينية بين جموع مريديه، والمدرس الذى أصبح همه الدروس الخصوصية، والموظفة التى اكتفت بابتسامة هادئة رقيقة لرئيسها من أجل عدم حضورها للعمل، والأمثلة كثيرة لولاً أننى متهيئ لإجراء عملية جراحية وغير مستعد للذهاب للمحكمة من أجل قضايا السب والقذف.

ونصيحتى ليست للدكتور محمد البرادعى بحسب، بل لكل من نوى العمل على دغدغة مشاعر المصريين الدينية، أهل مصر اتخذوا الحياة احترافاً وليس هواية، فهم الذين استطاعوا فك شفرة بطاقات عمل أجهزة الاستقبال الفضائية، وهم الذين أيضاً نجحوا فى تعطيل بوابة مترو الأنفاق الإليكترونية، وهم الذين يشربون يومياً من مياه النيل الممزوجة بمياه الصرف الصحى الملوثة ومع ذلك لا يموتون، فهل يعرف الدكتور البرادعى لماذا؟ لأنهم يصطادون السمك حياً وهو فى الماء وهم على الشاطئ، ألف حمد لله على عودتك لوطنك مصر يا سيادة الرئيس مبارك، ومتعك الله بصحتك وعافيتك وجنسيتك المصرية الخالصة.

أكاديمى مصرى








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة