الفساد أكبر تحدى يواجه الدولة المصرية، وهو الموضوع الأهم الذى يتطلب الإسراع بالتحول الديمقراطى لأعمال قواعد المحاسبة سواء القانونية أو السياسية، إن شعور المسئولين بالحماية والإفلات من العقاب سواء بأغلبية ميكانيكية فى البرلمان - جاهزة دائما للتصويت وإسقاط كافة أدوات الرقابة البرلمانية سواء الاستجوابات أو الأسئلة أو طلبات الإحاطة - أو بغياب قواعد منع تضارب المصالح لاسيما أمام هذا الزواج غير الشرعى بين السلطة ورأس المال.
بمناسبة التحقيقات التى تجرى هذه الأيام حول وزارة الإسكان فى عهد وزير الإسكان الأسبق ثم استدعاء عدد من رجال الأعمال لسؤالهم حول الأراضى التى حصلوا عليها المدهش فى الإجابات التى نشرتها الصحف على لسان هؤلاء، أولا أنهم لا يعرفون الوزير السابق، وثانيا أن كل الإجراءات التى حصلوا بموجبها على الأراضى تمت وفقا للقانون، وأنا غير مستغرب هذه الإجابة، طبعا كله بالقانون، فالقانون لا يمنع أن تعطى أراضى الدولة على أن يدفع رجل الأعمال الثمن بعد الانتهاء من البناء، وبسعر بخس فى الوقت الذى يعلن فى الصحف فى اليوم التالى أن سعر المتر بمائة ضعف للسعر الرسمى، زى ما القانون ما منعش المسئولين والوزراء يكونوا أصحاب شركات تعمل فى مجالات تخصصهم فى الوزارة، وطبعا أنا عارف إنه بيسيب مكانه فى الشركة - وإلا تبقى ريحتها فايحة قوى- مش مهم بيملك كام من أسهم الشركة هو وأسرته، ومش مهم إن الشركة كان حجم أعمالها قد إيه قبل الوزارة، وبقى إيه بعد الوزارة، والقانون أيضا ما منعش رجال الأعمال أن يأخذوا الأراضى فى مشروع إسكان مبارك بالمرافق، وبسعر مدعم وأن يعلنوا فى الصحف أيضا أن الشقة للشباب بـ 190 ألف جنيه عادى، ما هو القانون محدد ش أنهم يبيعوا الشقة بسعر محدد، بس القانون أعطاهم الأرض تقريبا ببلاش، يعنى القانون فى بلدنا بينظم الاستيلاء على المال العام تبقى مصيبة ولا اعتقد أن فتح ملف من حين لآخر والتحقيق فيه، بل وإحالته للمحكمة وصدور أحكام رادعة ممكن أن يوقف هذا النمو السرطانى لشبكات الفساد فى مصر، التى تلتهم مقدرات الشعب المصرى، الصورة ببساطة أمام أعين الناس هى أن هناك عملية نهب منظم مستمرة لثروات هذا البلد الكريم، أراض بالمليارات لشركات يملكها أفراد وعائلات بعينها تعطى لهم بدون مقابل أو بمقابل زهيد تتحول بعد عدة إعلانات فى الصحف إلى ملايين ومليارات، وتتداول الوحدات والفيلات والشقق بين الناس وهى لا تزال على الورق ماكيت، وتتضاعف الأسعار وترتفع الأرقام فى البنوك فى سنوات قليلة إلى ملايين ومليارات، لدرجة أنه قد انتشرت فى مصر تجارة إيصالات الحجز فى المشروعات المعمارية، الأخطر أن كل هذا الفساد الذى يزكم الأنوف، والمال الحرام الذى اتخمت به البنوك والحسابات داخل مصر وخارجها، سوف يظل بعيدا عن ايدى القانون والحساب، ليه ببساطة لأن المشكلة عندنا فى القانون طبعا لما وزير يقول للمذيع اللى بيسأله عن أبنائه وبناته وزوجته وحصولهم على أراضى ووحدات فى الساحل الشمالى يقوله اقرأ قانون المجتمعات العمرانية الجديدة، ياعمرو القانون يعطى للمواطن وحدتين وحدة شاطئية ووحدة سكنية.
يعنى وفقا للقانون كل ما حصلت عليه الأسرة وأقاربها وجيرانها وأصحاب معاليه بيتم وفقا للقانون، لذلك أنا فى الحقيقة مش متفائل بالتحقيقات التى تتم الآن الموضوع هايكون زوبعة فى فنجان مع كل الاحترام والتقدير للنيابة العامة وحسن النية فى محاربة حقيقية للفساد، لكن فى الحقيقة المشكلة أن الفساد أصبح مؤسسة نافذة داخل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، تصنع القوانين والتشريعات التى تضمن استمرار المؤسسة وتؤمن المصالح، من غير إصلاحات سياسية حقيقية ومراجعة التشريعات والقوانين لإزالة كافة المواد التى تستخدم كغطاء للفساد، ووضع قانون لمنع تعارض المصالح وتعزيز معايير الشفافية، إصلاحات تسمح بأن تمثل الأحزاب والقوى السياسية تمثيلا متوازنا داخل البرلمان للقيام بالدور الرقابى، وبدون إطلاق الدور للصحافة والأعلام، بإعلان الحرب على الفساد وكشفه وبدون تعزيز دور المجتمع المدنى فإن الفساد سوف يكون المعول الذى يهدم جدران الدولة المصرية، فيجب أن نعرف أن شيوع الفساد يؤدى إلى فقدان المواطنين الثقة فى مؤسسات الدولة، والأخطر طبعا هو أن يكون الفساد بالقانون، فهذا هو الباب الأوسع لانهيار الدول وتحولها إلى دولة فاشلة.
*رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة