أحد أبرز إشكاليات النخبة المصرية خاصة المعارضة أن ذاكرتها كالدجاجة! إضافة إلى عدم قدرتها على رصد وتحليل التراكم الحادث فى المجتمع االمصرى بشكل موضوعى وصولاً لإدراك قوانين وآليات التغيير فى المجتمع والعالم وجدل العلاقة بين تماهى أجهزة الدولة والنظام السياسى مع الحكم، والتماهى المقابل بين النخب المعارضة وأجهزة الإعلام إلى حد عدم إمكانية التفرقة ما بين الحراك الإعلامى والحراك السياسى. فمنذ عام 1975 وصولاً لعام 2010 يمر الوطن بمحطات رئيسية محورية تنشط فيها المعارضة وتتشكل جبهات سياسية ويفتى المعارضون بأن النظام آيل للسقوط ويحدث العكس!
حدث ذلك بعد انتفاضة يناير 1977، وبعد توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد 1978، وبعد اغتيال الراحل السادات 1981، وبعد تأسيس (حركة كفاية وأخواتها 2004) و(ضد التوريث 2009)، ثم (الجمعية الوطنية للتغيير) 2010، ربما كانت اصعب تلك المراحل السادتية (1970-1981) عندما أجرى السادات جراحة للوطن دون تخدير وقاد التغيير الرديكالى نحو الانفتاح الاقتصادى والعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والسلام والتعددية المقيدة، وواجه النظام انتفاضة يناير التى اثبتت عدم تأهل المعارضة اليسارية لقيادة الجماهير، بل إن قوة دفع هذه الانتفاضة جعلت النظام يندفع عكسياً نحو الصلح مع إسرائيل ومنذ عام 1978 حتى 1980 تجمعت كل القوى السياسية و الدينية فى حلف مشترك ولكن السادات الذى استفاد من خبرة ضرب معارضيه 1971.." تغدى بمعارضيه قبل ما يتعشوا به" كما يقول المثل الشعبى – وحينما أطلق خالد الإسلامبولى الرصاص على السادات كانت رصاصته قد طالت أيضاً الحلف المعارض للسادات، وسرعان ما خرجت طلائع الحلف المعارض من المعتقلات لتقديم هدنة للرئيس الجديد استمرت حتى أواخر التسعينيات رغبة فى مواجهة الإرهاب وعندما استفاقت قوى المعارضة منذ مطلع الألفية الثالثة كان النظام قد استطاع أن ينجز برنامج الإصلاح الاقتصادى تدريجياً واستدرج القوى الاجتماعية بشكل فردى وقام بتفكيك القوى والأطر الطبقية، فالعمال قبلوا بفئات المعاش المبكر وتم دمج المنظمات العمالية المدنية فى منظمات المجتمع المدنى فى سياق معارض لاتحاد العمال، وكذلك الفلاحية والحقوقية والنوعية بل واستطاع أن يؤسس منظمات مجتمع مدنى حكومية مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان أو المرأة ويضم إليها معظم قادة المؤسسات المدنية، أما عن الحركات الدينية مثل الإخوان المسلمين أو ما يسمى باقباط المهجر، فقد استطاع أن ينفذ إليها عبر سياسة العصا والجزرة حتى قبلت أطراف كثيرة من تلك الحركات أن يتم التطبيع بينهم وبين النظام وفق منهجيته لا منهجيتها.
كما استطاع النظام أن يستفيد جل الاستفادة من الحراك الإعلامى المقروء والمسموع والمرئى فى أحداث تنفيس وتوازن يجمّل وجه النظام أمام العالم على أنه نظام ديمقراطى يسمح بحرية لكل وسائل الإعلام المختلفة والمعارضة، حتى أصبحت هذه الصحف وتلك الفضائيات بديلاً عن المسلسلات أو حفلات أم كلثوم فى السابق، جنباً إلى جنب مع الفضائيات (الوهابية) التى قامت بإخصاء رغبات المواطنين فى الإصلاح على الأرض، وكذلك الفضائيات المسيحية التى قامت بختان العقل القبطى، ناهيك عن الفضائيات الرياضية التى سحبت البساط من تحت أقدام الجميع وقدمت مشروعاً وهمياً يكاد يكون شبيهاً بالإدمان للمخدرات!!
إضافة إلى تماهى السلطة التنفيذية مع الدولة، وإلحاق السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، والانقسام الذى لحق بالسلطة القضائية رأسياً وأفقياً فى اتجاه الدولة أو فى اتجاه جماعات رجعية!!
فى خضم كل تلك التحولات التى طالت (قطاع الدولة، قطاع الخاص، والقطاع المدنى) والسلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) تخلق لنا بعض النخب فى الحكم أو فى المعارضة أسطورة التوريث حتى صدقوها وتم الاستقطاب حولها.. وفجأة يهبط إلينا من قلب الحراك الإعلامى والفضاء الإلكترونى "أسطورة البرادعى المنتظر" وذلك بعد أن تم استنفاذ أسطورة التوريث، وانتهاء العمر الافتراضى لملهاة أيمن نور.. ليجد النظام ضالته المنشودة والمكتملة لكل المواصفات فى الدكتور محمد البرادعى ليحاط بهالة من الطهارة والنقاء تذكرنا بذات الأوصاف للحملة التى واكبت وصول الرئيس مبارك للرئاسة، وينسى جميع دراويش البرادعى أن وزارة الخارجية هى الجناح الثانى للدولة بجانب الجناح الأول المتمثل فى أرفع الأجهزة القيادية شأناً ومن يراجع كتابات وحوارات وزراء خارجية وسفراء سابقين خاصاً دكتور مصطفى الفقى بشأن البرادعى سيكتشف أن النظام لم يعادِ ولم يتخلَّ مطلقاً عن البرادعى، بدءا من عمله سكرتيراً للراحل إسماعيل فهمى، وانتهاء بحصوله على أرفع وسام مصرى (قلادة النيل).. بل ومن يتابع آراء بعض الأجنحة المستنيرة والمحسوبة على النظام ويحلل مضمون ما ينشر من هذه الآراء سيدرك أن النظام يعرف تمام العرفة كيف سوف يستفيد "من حصان فينا" – أى البرادعى – فى تدعيم أركانه (راجع كلمة دكتور إسماعيل سراج الدين فى مكتبة الإسكندرية رداً على سؤال حول البرادعى فى منتدى الإصلاح العربى) صحف 3/3/2010.
علماً بأن الدكتور البرادعى والمعارضة الملتفة حوله لا تطمع إلا فى تعديل بعض مواد الدستور الخاصة بالرئاسة ونزاهة الانتخابات الرئاسية الأمر الذى حتى لو حدث لن يؤثر على بنية ولا توجهات النظام السياسى ولا حتى على مرشحه القادم للرئاسة بل سيضفى مشروعية على فوز مرشح النظام أما الحديث عن الثورة الشعبية وخرافة الجماهير، فإن ذلك أيضاً لن يحدث إلا لأسباب دينية (شبيه بالرسوم المسيئة للرسول محمد ـ ص ـ) أو لو تم المساس بجمهورية حسن شحاتة الكروية!!