د. بليغ حمدى

أبى رئيس الجمهورية

الإثنين، 08 مارس 2010 06:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إلى أين ستأخذنا حالة الهوس الإعلامى والمجتمعى بشأن رئاسة مصر، ومسألة وجود رئيس جديد مرتقب لها ؟ سؤال طرح نفسه بسرعة الريح منذ أيام قليلة، وتبارت الصحف القومية والمعارضة والمستقلة وبرامج التوك شو الفضائية الفراغية، وكذلك المنتديات والمواقع الإليكترونية فى مناقشة هذه المسألة.

وراح أنصار كل فريق يدعم موقفه والتأكيد على أحقية شخصيات معينة لخلافة حكم مبارك، وأصبحت كلمة التغيير مرادفة للرئيس ذاته لا لشئ آخر، رغم أن الإنسانية كلها بحاجة إلى تغيير وتطوير وتحديث فى الخطاب الدينى والتعليم والبحث العلمى والشراكة الحياتية وقواعد العمل المشترك.

وأمس السبت قام السيد الرئيس مبارك بإجراء جراحة عاجلة لاستئصال الحوصلة المرارية بألمانيا على هامش زيارته السياسية لها كزعيم عربى محورى للمنطقة دون لغط أو زيف، فمصر ومبارك حقاً علامتان مهمتان فى تاريخ المنطقة العربية الإقليمية، ووسط كتابة هذه السطور علمت كما علم معظم المصريين أن رئيسها وزعيمها مبارك يمكث فى غرفة العناية المركزة بعد إفاقته.

وكم من مرة فى هذه المساحة تحديداً باليوم السابع قمت بانتقاد بعض مظاهر نظام الرئيس مبارك السياسى، ونقد بعض السياسات الحزبية للحزب الوطنى الذى كنت عضوا به يوما ما، وكثيراً ما رصدت حالات الوجع بقلوب المصريين المضارين من يعض السياسات التعليمية والصحية والخاصة بالنقل والمواصلات، ولست بصدد الحديث عن أمور مكررة.

لكننى وجدت نفسى غاضباً من أولئك الذين راحوا يتحدثون عن رحلة مبارك العلاجية بألمانيا، وأصابهم هوس الحديث عن حالته الصحية ومستقبل مصر، بل رأيت نفسى أرتدى ثوب المحاماة الذى يرتديه عباقرة المحاماة فى مصر والوطن العربى كالدكتور محمد العوا والأستاذ فريد الديب والأستاذ أبو شقة وغيرهم كثيرين، فرحت أسرد إنجازات هذا الرجل أقصد الرئيس، وما حققه من حريات أنعم بها كما ينعم بها كثيرون غيرى، هذا ليس من باب النفاق الصحافى، بل أقر حقيقة مطلقة أننا أصبحنا نرصد ونحلل ونهاجم ونصوب سهامنا نحو أى مسئول بالوطن الذى يتغير بصورة سريعة علّنا نستطيع ملاحقته.

ولاشك أننا نحلم كغيرنا بالتغيير، لكن من ضيق الرؤية والبصيرة أن نقصر هذا التغيير على رئيس الدولة وحده، رغم وقوفه المستدام بجانب المواطن الذى لازلت أؤكد أنه لم يعد عادياً ولا بسيطاً، فهذا المواطن يندد، ويتظاهر، بل ويعلن غضبه بصور قد تخرج عن حدود اللياقة والتحضر، ومع ذلك يصر الرئيس على موقفه تجاهه، ومن هذا المنطلق قلبى معه قبل وأثناء وبعد إجراء جراحته العاجلة.

إلا أننا فى مصر نطالب الرئيس بأن يكون سوبرمان، أو رجل خرافى من العصور القديمة يطير ويقفز ويحلق بالفضاء ويسبح تحت الماء ويصارع الوحوش ليقدم لنا طعامنا وغذاءنا وقوت يومنا الذى هو فريضة علينا لا على غيرنا.

ولاشك أنه معذور من يحكم شعباً كالمصريين؛ اتجاهات متباينة، وطوائف وأحزاب فكرية مختلفة ومضطرمة، بل ومستعرة أحياناً، وشعباً يحمل بداخله ثقافات متعددة من شأنها أن تثور وتتنافس، ومع ذلك كله يظهر لنا الرئيس حكيماً متزناً، وربما راح البعض يصور الحكمة عجزاً وضعفاً، رغم أن حكمته واتزانه قوة عصمت دماء الملايين من المصريين، وربما راح البعض الآخر يحمل الرئيس فوق ما يطيق كمقتل مصرية بألمانيا، وأزمة عمال بالسعودية أو ليبيا، وربما خروجنا من تصفيات كأس العالم بجنوب أفريقيا، وكأننا نتربص بالرجل الذى أصر بأنه قدم لوطنه الكثير، بل ولا يزال يقدم، لا من جهة المنة والفضلة، بل لأن واجبه ألزمه بذلك.

وليت كل المتظاهرين والمعتصمين وأصحاب الأصوات العالية، وأولئك الذين ينددون بالرئيس وأسرته وأبنائه، ويحملونه كل فساد أو إخفاق أو تقصير من بعض وزرائه ومسئوليه وأنه من جلب تلك البطانة، رغم أننا لسنا كدول أخرى تحتل المراتب الأولى للفساد السياسى والإدارى، ورغم أن الوزير أو الخفير قد يتقاعس، لكنه بالقطع يعمل، بدليل أن من يخرج منهم عن النص والحوار والسيناريو نهاجمه ونقتص منه.

وأظن أننى أقدمت على كتابة مثل هذه السطور والرئيس خارج البلاد، متمنياً له الشفاء والصحة وسرعة العودة، فمصر بحق بحاجة إلى زعيم مثله، وليت بعض المهرجين الذين يهرعون نحو شخصيات لم نرها تقدم لمصر شيئاً، بل قدمت لأنفسها أولاً، بل علينا أن نعترف لأول مرة أمام أنفسنا أن مصر هى التى منحت لهذه الأصوات أن ترتفع وترتفع قاماتها باسمها أولاً، ويكفيهم أن تتصدر صورهم المجلات والصحف وهم يقفون أمام الأهرامات والسد العالى وتوشكى الوليد وتماثيل رموز مصر الحديثة والمعاصرة.

ولعلى ممن تحدثوا سابقاً عن مأساة مصر الصحية كفيروس سى الكبدى، وأنفلونزا الخنازير، وكوارث هيئة التأمين الصحى، ومقابر سكك حديد مصر، والتعليم الذى بات مهدداً بالانقراض والبحث العلمى الذى أصبح كالمضاف إليه يمكن حذفه من الجملة دون نقص أو تغيير، لكن كل هذا لا يدعو البعض إلى اقتناص الفرصة للهجوم على شخص الرئيس، رغم أننى أعانى كما يعانى غيرى من حياة أرتجيها وأسعى إليها، لكن تبقى شخصية الرئيس خطاً أحمر ينبغى على كل مصرى أصيل ألا يقترب منها بالتشويه والتزييف، لأن من سافر بالخارج ـ وأنا واحد منهم ـ سيدرك أن قوة المصرى من قوة زعيمه.

وقد لا تحمل هذه السطور جديداً، إلا أننى منزعج لما يفعله البعض تجاه رئيسه، ومما يردده البعض من أنه وجب عليه ترك الساحة السياسية، تاركاً الفرصة لشخص آخر جديد، وهذه النظرة السطحية للأمور لابد وأن تنتهى بنا لمأساة محققة، فمصر وطن وليس فرصة تقتنص، ومصر وطن عزيز وغال وليس مزايدة كلامية على حبها ومطالبات بتعديل دستورها وقوانينها، وليتنا ننظر إلى رئيسنا كما ينظر الغرب المتقدم إلى زعمائه، فهم يضعون رئيسهم موضع الأخ الأكبر والأب، ويكفى أن هؤلاء لاحقتهم تهم الفساد السياسى والدينى والجنسى أيضاً. فواحد متهم بإقامة علاقة جنسية مع إحدى سكرتيراته، وآخر له ابنة غير شرعية، وثالث يعلن حرباً صليبية تجاه الشرق، ورابع يدير دولته كشركة خاصة، وخامس وسادس وسابع تطوله مغبة الفساد والمفسدين والفاسدين.

ألف سلامة يا ريس؛ أباً وزعيماً ورئيساً وحاكماً وقوة أحتمى بها ضد الفاسد والمفسد، وأنعم فى حكمه بحرية الرأى والقول والفعل، ومصر بانتظارك.

•دكتوراه الفلسفة فى التربية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة