نقلاً عن العدد الإسبوعى..
حان الوقت لكى نعكس المعادلة حتى نتمكن من مواجهة هذا المخطط الإسرائيلى، آن الأوان فى تقديرى أن ننظر إلى معادلة القوة فى الشرق الأوسط بعيون عربية لا بعيون أمريكية
هل من الجائز أن نفكر الآن فيما بين أيدينا من أوراق، لمواجهة هذا الغدر الإسرائيلى بالمقدسات الإسلامية فى الأراضى المحتلة؟
حسنا.. استبعد العرب الخيار المسلح والحرب الشاملة جملة وتفصيلا.
حسنا.. استبعد العرب المقاومة المسلحة من الفصائل الفلسطينية واللبنانية.
حسنا أيضا.. أجمع العرب ومازالوا على خيار التسوية وفق المبادرة العربية فى قمة بيروت.
حسنا كذلك.. وضع العرب أوراق اللعبة فى أيدى الولايات المتحدة الأمريكية.
حسنا مرة أخرى.. عادى العرب من عادتْهم واشنطن وصالحوا من صالحه البيت الأبيض. وأخيرا لم تساو كل هذه الخيارات شيئاً يذكر، ولم تحرك كل هذه التنازلات ملف قضية العرب الأولى خطوة واحدة إلى الأمام، ولم يثمر أى من هذه الانحيازات الوادعة حلا يعيد الأرض، أو يحفظ الكرامة، أو يصون الدماء العربية، ولم تنته كل هذه الآليات المسالمة إلى ردع مسيرة البطش الإسرائيلى، والتوسع الاستيطانى، وغياب الحل الشامل، فلا أمل فى عودة اللاجئين، أو فى عروبة القدس، أو فى السلام العادل، أو فى أى سلام آخر.
ألا يستدعى هذا الانحطاط فى الموقف العربى إعادة النظر مرة أخرى فى كل هذه المسلمات البدائية التى جرى اعتمادها رسميا منذ اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى اليوم؟ ألا تفرض علينا القراءة الحقيقية لما يجرى على أرض الواقع، أن نعيد ترتيب أوراق اللعبة فى منطقة الشرق الأوسط، بما يتلاءم مع مساحة الخطر الإسرائيلى، بالمقارنة مع الأخطار الأخرى فى المنطقة؟
فى تقديرى أن الرؤية الواقعية، تفرض الآن أن نسير فى اتجاهات مختلفة عن تلك التى هزمتنا بها إسرائيل منذ (غزة - أريحا) حتى اليوم، أتحدث هنا عن قراءة واقعية، باعتبار أن كل هذه الدعوات الاستسلامية السابقة تم تأسيسها على أساس من فقه الواقع، فقد كان العرب يقولون: (الواقع) يفرض علينا أن نتجه للسلام، وكان العرب يقولون أيضا: (الواقع) يفرض علينا أن نستعين بالولايات المتحدة الأمريكية لا شريك لها، وكان العرب يقولون: إن (الواقع) يفرض علينا أن نخاصم إيران ونهادن إسرائيل، وكان العرب يقولون إن (الواقع) يفرض علينا أن نساهم فى القضاء على صدام حسين ونساند جورج بوش فى استعماره للعراق، وكان العرب يقولون إن (الواقع) يفرض علينا أن ننحنى فى وجه العواصف، وأن نحافظ على أقواتنا وأقوات أطفالنا ومستقبل الأجيال المقبلة.
لكن قراءة (الواقع) على هذا النحو، تكشف الآن عن كذبة كبيرة، إذ إن كل هذه القراءات الواقعية لم تسفر إلا عن المزيد من التدهور والتدنى والخنوع والتردى والتراجع، يبدو لى الآن، أننا كنا نقرأ الواقع بالمقلوب، أو أننا كنا نقرؤه من الشمال إلى اليمين، بنفس الطريقة التى يريد بها أعداؤنا أن نفهمه وندركه، لنحقق مصالحهم هم، لا مصالحنا نحن.
الآن لا يمكن تصور أن هذا الطغيان الإسرائيلى يستهدف القدس الشرقية وحدها، أو أن الاستهتار بالعقائد والمشاعر والمقدسات، قد يتوقف عند حدود المسجد الأقصى، أو قبة الصخرة، أو الحرم الإبراهيمى، ولا يمكن السكون إلى فكرة أن الأمر يجرى فى فلسطين، دون أن ينال من بلدان عربية أخرى. يخطئ من يتصور أن هذا الاستعلاء (الدينى والعسكرى) قد يتوقف عند حدود القدس الشرقية، فهؤلاء الذين يريدون أمنهم باسم القوة، قد يطورون هجومهم نحو بلدان عربية أخرى بالشعارات نفسها، وبالطغيان نفسه، فاليوم نصمت على القدس، ظنا منا أن نيران العدو بعيدة عن ديارنا، وغدا نصمت على لبنان، وهماً منا بأن المدافع لم توجه بعد إلى صدورنا، ثم بعد ذلك على سوريا بنفس الأكاذيب (الواقعية) التى تخطئ فهم هذا التمدد الإسرائيلى الطاغى.
الآن نخطئ نحن لو أبقينا على قراءة الواقع على النحو نفسه، حان الوقت لكى نعكس المعادلة، حتى نتمكن من مواجهة هذا المخطط الإسرائيلى، آن الأوان- فى تقديرى- أن ننظر إلى معادلة القوة فى الشرق الأوسط بعيون عربية، لا بعيون أمريكية، (الواقع) بعيوننا يفرض أن نستمد قوتنا من هؤلاء الذين يتقاسمون معنا حالة الرفض لهذا العدوان الإسرائيلى، نحن فى حاجة إلى إعادة صياغة أوراق المعادلة فى المنطقة مرة أخرى، علينا الآن أن نمضى فى الاتجاه المعاكس تماماً.. ربما علينا أن نقول اليوم:
حسنا.. نحن لن نستبعد الخيار المسلح، والحرب الشاملة عند الضرورة.
حسنا.. نحن نؤمن بأن المقاومة المسلحة، حق أصيل للشعوب المغتصَبة.
حسنا أيضا.. نحن لن نمضى فى خيار التسوية السلمية مع استمرار الاستيطان.
حسنا كذلك.. أوراق اللعبة فى أيدينا نحن، وفى أيدى من يتحالف معنا لإنهاء هذا الغدر.
مرة واحدة فقط، نرفع فيها رؤوسنا نحو واقع جديد بأعيننا نحن، لا بأعين أعدائنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة