صبر المواطن المصرى الذى يتحدثون عنه بفخر، ويخططون للدراسات والأبحاث والمؤتمرات من أجل كشف سره، لا يستمد قوته وأهميته من كونه صبرا على الفقر والظلم وسوء الحال، بل تكمن أسطورته الحقيقية فى قدرة المواطن المصرى على تحمل تلك الوجوه التى تطل عليه كل صباح من شاشات التلفزيون أو صفحات الجرائد لتخبره أن كل شىء تمام وأن الجنة بنفسها تسير تحت أقدامه، أسطورة صبر المصريين تكمن هنا، عند تلك المنطقة التى تتحمل فيها نفوسهم سذاجة بعض أصحاب المناصب العليا فى جهاز الدولة، هؤلاء الذين يحصلون على رواتبهم الخيالية من أموال الشعب الصابر دون أن يدفعوا مقابلها نقطة عرق واحدة ذات فائدة.. أو حتى نقطة عرق بدون رائحة!
ربما كان هذا الصبر هو أقسى أنواع بنى جنسه، فلم يعتد أحد من قبل أن يرى شعبا صابرا بهذا الشكل على أولئك الذين ارتضاهم مسئولين غصبا عنه، ثم يكتشف وبعد فترة قليلة من صعودهم إلى الكرسى، أنهم ما صعدوا، أو ربما صعدوا وكان صعودهم للكرسى أو المنصب هو أقصى ما يمكن أن يقدموه للوطن والمواطنين.
نظرة بسيطة وهادئة لهيكل جهاز الدولة المصرية بشخوصه ومناصبه ستكتشف أن فى كل زاوية يسكن واحد من هؤلاء الذين يحترفون التعايش مع جاه المنصب دون أن يكون لهم أى تأثير.. رجال وسيدات كثر على شاكلة أسامة الباز وعثمان محمد عثمان وصفى الدين خربوش وفرخندة حسن ومشيرة خطاب وعائشة عبد الهادى وبقية تلك الشلة التى تنتمى إلى تلك الفئة التى تأكل من مال الشعب دون أن تفيده، وجودهم لا يمثل عبئا على ميزانية الدولة فقط، أو على أذهان المواطنين الذين تعبوا من البحث فى دفاتر حياتهم لاستخلاص ولو ميزة واحدة تؤهلهم لتلك المناصب، بل يمثل فى الكثير من الأحيان عبئاً أكبر وأخطر على النظام الذى استخدمهم عملا بمبدأ "العزوة" فكانوا أول من طعنوه فى ظهره وأظهروا ضعفه، إما بضعف أدائهم، أو بتصريحاتهم وقراراتهم، أو بعدم إتقان أداء أدوارهم على مسرح السلطة..عموما النماذج القادمة والسابقة لأشخاص ومناصب، إن استيقظنا صباحا دون أن نجدها، لن نشعر بأى شىء، بل ربما شعرنا براحة وكأن بعض الهموم زالت من على قلوبنا وقلب الدولة من قبلنا.. فهل تعرف مثلا ماهى الفائدة التى تعود على البلد من رجل مثل صفى الدين خربوش ..فهل سمعت عزيزى المواطن العادى بهذا الاسم من قبل؟ إن كنت من رجال مراكز الشباب ومحبى رحلات نصف العام التى تنظمها الدولة ومسابقات الإذاعة، وتسعى خلف المعسكرات الصيفية، فاحتمال أنك قد تكون سمعت به، أما إن كنت طالبا سابقا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فمن المؤكد أنك تعرف هذا الاسم .. صفى الدين خربوش رئيس المجلس القومى للشباب، أما إن كنت شابا بجد، وبعيدا عن الحزب الوطنى ولا تحب الحكومة، فمن المؤكد أنك لم تسمع بهذا الاسم من قبل، إلا إذا كان الامر يتعلق بمصائب من نوعية تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات يؤكد على تدهور أوضاع مراكز الشباب، ويوضح عدم الاستفادة من كثير من الأجهزة الرياضية وإهمال صياناتها وعدم صلاحية الصرف الصحى ببعض مراكز الشباب، وضعف وانخفاض عدد ونسبة المشاركين للعضوية بهذه المراكز، أو كما قال عبد الرحيم الغول، نائب الحزب الوطنى، إنه لابد من إحالة المسئولين عن المجلس القومى للشباب للنيابة العامة، لأنه قام بصرف مبالغ طائلة لم تستغل حتى الآن.
الدكتور صفى الدين خربوش لم يقدم لنا منذ جاء على رأس المجلس غير المفهوم عمله سوى عدة ندوات يتهمها الكثيرون بأنه تساهم فى غسل ادمغة الطلاب ونشر فكر الحزب الوطنى إن كان له فكرا، بالإضافة إلى عدة معسكرات صيفية، ومسابقتين فى إذاعة الشرق الأوسط، ومؤخرا هو يستعد لطبع خطب الرئيس أثناء أزمة غزة وتوزيعها مجانا على الشباب فى الوقت الذى كان يشكو من قلة الدعم المالى الذى لم يمكنه من إنشاء أسوار لمراكز الشباب.
قبل عام 2004 كان السيد كمال الشاذلى قلبا للنظام، إذا توقف نبضه عانى النظام ككل من تشنجات ما قبل الموت، كان المهندس الذى يتحكم فى كل شىء، لا أحد يتنفس فى البرلمان قبل إذنه، ولا أحد يتحرك فى الحزب الوطنى إلا إذا سمح له، ومن بعد 2004 بدأ كل هذا يختفى بالتدريج لسبب ما غير معروف، ربما كان رغبة فى التغيير فحسب، ترك الرجل كل هذه السلطة وكل هذا الهيلمان أو أجبر على ذلك، ولكنه لم يجلس وحيدا فى المنزل أو على أحد شواطئ البحر كما يفعل الساسة الكبار فى الخارج حينما تغدر بهم المناصب، بل أصبح رئيس المجالس القومية المتخصصة، تلك الوظيفة التى حولتها الدولة إلى منتجع يقضى فيها كل رئيس وزراء سابق فترة النقاهة حتى لا يصاب بصدمة إذا خفتت عنه أضواء السلطة فجأة، وحتى يثبت النظام للجميع حجم وفائه لرجاله المخلصين، أما حجم الفائدة التى تعود على الدولة والناس من السيد كمال الشاذلى أو مجالسه المتخصصة، فلا داعى للسؤال ويكفيك أنه حتى الآن لا يوجد أحد قادر على تحديد ماهية هذه المجالس بالضبط، ولم نسمع يوما أو نقرأ فى الصحف- حتى صحف الدولة- أن السيد رئيس المجالس القومية المتخصصة قد أنجز عملا ما أو كان سببا فى خروج مشروع مهم إلى نور التنفيذ.
أنت بالطبع تعرف السيد أسامة الباز، وتحفظ منصبه عن ظهر قلب.. المستشار السياسى للرئيس مبارك، ولكن ماذا يفعل وماهو دوره تحديدا؟ هنا يكمن السؤال الصعب، والذى ازداد صعوبة فى السنوات الأخيرة، لم نر الدكتور أسامة الباز مشاركا فى الاجتماعات التى يدعو إليها رئيس الجمهورية المتعلقة بالشأن السياسى، ولم نره مصاحبًا للرئيس فى سفرياته وجولاته المهمة أو حتى غير المهمة فى الفترة الأخيرة، ولم نقرأ له منذ زمن تصريحا أو تعليقا على الأحداث السياسية، كما أننا لم نسمع اسمه يتردد داخل الوسط السلطوى منذ فترة كمقترح لفكرة ما، أو مناقشا لمشروع ما، لم نعد نراه يفعل ولا شىء من تلك الأشياء التى هى من صميم عمله، ولكن هذا لاينفى أنه الأكثر ظهورا فى الندوات واللقاءات الفكرية كمتحدث يسبق اسمه ذلك"التايتل المبهر.. المستشار السياسى للرئيس مبارك.
هل انتهى الأمر عند ذلك الحد؟.. لأ طبعا سيبقى لنا غدا لقاء آخر مع الناس اللى ملهاش لازمة ولكنها تشارك فى صناعة الأزمة التى نعيشها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة