الموت هو أكثر الأشياء توافراً فى الصعيد.. الموت على الطرق السريعة.. الموت بالثأر.. الموت فى جرائم الشرف.. الموت فى شربة الماء، وكأن أشعة الشمس الحارقة فى الجنوب مرتبطة بدوافع ومقدمات الانتقال السهل من الدنيا إلى الآخرة.
لماذا يتوافر الموت فى الصعيد بكل صوره القاسية والسلسة، العنيفة والبسيطة، القدرية والتى نضع مقدماتها وأسبابها بأيدينا؟ لأن برامج التنمية وميزانيتها مصابة بالتشوه عند توزيعها بين مراكز الشمال والجنوب، بين العاصمة وملحقاتها من المدن الجديدة وبين قرى الصعيد.
أكثر القرى فقراً موجودة فى الصعيد، بدءاً من بنى سويف وصولاً إلى حلايب وشلاتين، أعلى نسبة للأمية نجدها فى الصعيد، أعلى معدلات العنف والتطرف هناك، أعلى معدلات التلوث بعد القاهرة الكبرى نجدها فى المواسير المفتوحة للمصانع الكبرى من قنا وحتى المنيا على النيل.
كثير من الدراسات والتقارير أوصت وما زالت توصى بتوجيه مزيد من الاستثمارات إلى الصعيد بهدف إحداث نوع من التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية لوقف عملية النزوح والهجرة العشوائية من الجنوب إلى مدن الشمال فى الدلتا والقاهرة والإسكندرية، لكن دراسات الخبراء فى وادٍ وسياسات المسئولين فى وادٍ آخر، ولعل حوادث الطرق الأخيرة تكشف عن أحد جوانب الإهمال الذى يعانى منه الجنوب، فالكثير من الطرق السريعة والحيوية فى الصعيد ما زالت غير مزدوجة أو تزدوج فى عدة كيلو مترات فقط، بينما الغالب عليها الضيق والسير فى الاتجاهين، يترافق مع ذلك عشوائية تنظيم سير عربات النقل والمقطورات وعدم وجود رادارات أو نقاط تمركز مرورية كافية بطول الطرق السريعة، الأمر الذى يدفع عفاريت الأسفلت من سائقى المقطورات والميكروباصات إلى اللهو بأرواح الناس، وأصبح المسافرون محشورين فى علب الصفيح رهناً بمزاج لاعبى البلاى ستيشن على الطريق.
النتيجة أن إهدار الدم على الأسفلت أصبح عادياً، نراه ونقرأ عنه حتى إن ضحايا طرق الصعيد الرديئة أصبحوا أكثر من ضحايا الحروب التى خاضتها مصر، ومع ذلك لا نجد نصباً تذكارياً لهم أو حتى سعياً لتمجيد ذكراهم بمنع الأذى عن الأحياء الباقين بإزالة مسبب الأذى، وأعنى به ضخ مزيد من الاستثمارات فى طرق الصعيد ومراقبتها مرورياً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة