تابعت الحلقات الخمس التى تحدث فيها الشاعر أدونيس إلى عبده وازن، فى جريدة الحياة اللندنية فى الأيام الفائتة، ولم أستغرب «تطجينه» الذى طال الأموات من كبار شعراء العربية، وكأنه يريد أن يثأر من حضورهم الطاغى حتى الآن، أدونيس الذى انتصر مشروعه الشعرى لفترة قصيرة بعد هزيمة 67، والذى شكل ميليشيات من المحيط إلى الخليج، هدفها هدم الجسور العميقة والرقيقة بين الأجيال وتسطيح فكرة المقاومة، للاقتراب من «النموذج» الذى يمنح العدو ــ الذى لا يرى فى التطبيع معه مشكلةــ أرضا جديدة فى الوجدان الثقافى، لم أستغرب كراهيته لمحمود درويش، الذى اعتبر شعره شعر مصالحة، لأنه حسب زعمه «لم يصارع فى حياته أى نوع من أنواع الطغيان، وكان صديقا لكل الأنظمة، ولم يصارع فى شعره التراب ولا اللغة ولا الدين ولا الذات ولا الآخر..، ولأن شعره لا يصدر عن تجربة ذاتية اختراقية تساؤلية، ولأن شعره مكتوب بلغة الجمع»، والمتأمل لهذا الكلام الذى يبدو كبيرا ولشعر أدونيس الذى يفترض أن يكون على النقيض سيضحك لا شك، لأن قصيدته لم تخرج من المعمل بعد، ولم يعد له مريدون، والميليشيات التى دفع بها فى المحافل «إياها»، والتى تربت على كراهية المشروع القومى فى السبعينيات وصلت إلى سن التقاعد، وتحمل فى داخلها مرارات لا تقل عن مرارات الشاعر الذى يجلس فى انتظار جائزة «كونية» تؤكد له أنه جدير بكراهية الموهبة وكراهية المصريين، هو يرى فى حواره المضحك أن نجيب محفوظ مثلا ينتمى إلى القرن التاسع عشر، متناسيا أنه البنّاء العظيم الذى شيد فن الرواية العربية، وأنه كان «الأحدث» والأكثر اقترابا لروح النصف الثلنى من القرن العشرين، وأن أصداء السيرة الذاتية على سبيل المثال والتى كتبها قبل أحلام فترة النقاهة، تحمل من الشعر أكثر مما أنجز أدونيس وميليشياته، أدونيس الذى أحب الخومينى وكره جمال عبدالناصر، ويعتبر شعر أمل دنقل ماهو إلا وصف للواقع وشعر البياتى ضحلا ولا قيمة له، وأن أحمد عبدالمعطى حجازى مجرد امتداد لأصوات فى الشعر المصرى، أدونيس هو صناعة ثقافة النفط التى دعمت أصواتا بعينها، لم نعرف له موقفا سياسيا أو جماليا، هو صناعة الاستشراق الحديث الذى يسعى لتجريف الروح لصالح إسرائيل، يتم استقباله فى كل العواصم العربية «القمعية» ولا يشعر به أحد، ويكتب كتابة باردة تشعر أنها مترجمة، يحتفى بها آخرون غيرنا، لأننا نحب آباءنا ـ حتى لو اختلفنا معهم ـ ونرى محمود درويش وأمل دنقل ونزار قبانى وأنسى الحاج وسعدى يوسف وأحمد عبدالمعطى حجازى وصلاح عبدالصبور ومحمد عفيفى مطر وتوفيق الصايغ وسركون بولس شعراء من لحم الحياة، ومن مات منهم بقى شعره، أدونيس فى حالة صعبة.. وربنا معاه.
2
عشرون عضوا فى مجلس الشورى أرسلوا بيانا إلى رئيس الوزراء يطلبون «مناقشة التحكيم فى مصر والظلم الذى يتعرض له الزمالك، وقالوا فى البيان الذى أرسلوه إلى أحمد شوبير ونشره فى الفجر: إن ما يحدث من الممكن أن ينشر التعصب فى الشارع بسبب الظلم التحكيمى الفظيع، ما حدث لا يصدقه عقل، مجلس يفترض أن يكون مجلسا للحكماء يوجد به عشرون زملكاويا اعتبروا أن مناقشة أخطاء التحكيم من صميم عملهم، أصابنى البيان بالإحباط رغم رفض السيد الشريف مناقشته أو إحالته إلى إحدى اللجان، لأننى لم يخطر فى بالى أنه يوجد عشرون شخصا فى مجلس الشورى «عقلهم على قدهم» لهذه الدرجة.
3
وبالمناسبة، أعجبنى مقال كتبه جمال الغيطانى فى أخبار الأدب عن الدكتور فوزى فهمى عضو مجلس الشورى، كتبه بدون مناسبة. الغيطانى يرافق زوجته الرائعة السيدة ماجدة الجندى ـ أعادها الله بالسلامة ـ فى رحلة علاج فى أمريكا، وفجأة يتذكر فوزى فهمى ودوره فى الثقافة المصرية وعزوفه عن الأضواء وثقافته وإخلاصه، لم أتعرف على الرجل عن قرب، وربما هاجمته قبل ذلك لأسباب تتعلق بالعمل العام، ولكنى عندما شاهدته يبكى بحرقة فى عزاء صديقه وصديقى سامى خشبة، شعرت تجاهه بحميمية أبعدته عن رجل السلطة الذى اختزلته فيه، مقال الغيطانى صادق ودافئ، وفرصة لكى «أرمى السلام» على الرجلين الكبيرين معا.