هل كنا نحتاج إلى أن تكشف لنا محكمة أمريكية رشوة مسئول حكومى من شركة مرسيدس لنعرف أن لدينا مسئولين مرتشين وفاسدين، يبيعون أى شىء من أجل مصالحهم الشخصية؟. لم نكن فى حاجة.. لكن القضية حفزت غدد الدهشة وأعادت تذكيرنا بأن لدينا فاسدين، وأن الفساد فى مصر تعدى كل الحدود.
ربما ننشغل باسم المسئول الذى حصل على الرشوة، وهو طبعا وزير سابق أو مسئول يجمع بين المنصب التشريعى والتنفيذى والحزبى، الذى يعطيه سلطة تمتد فى الحكومة والبرلمان والحزب الحاكم. وهو ليس وحده بل كان معه آخرون، ومثل هذا المسئول كثيرون يحصلون على مقابل ليبيعوا للناس منتجات شركات الدواء والسيارات والأسلحة، بل والمبيدات المسرطنة.
ويوما ما سوف يعرف الناس اسم السيد المرتشى، لكن الأمر لايتعلق بالاسم، بل بقضية أهم، أن أغلب قضايا الرشوة والفساد يمارسها مسئولون ليسوا فى حاجة إلى المال، وأغلبهم يكونون مليونيرات أو مليارديرات. لكنهم لايشبعون بما فى أيديهم، ولا يقنعون بما يحصلون عليه ويبقى فمهم مفتوحا للمال الحرام.
لقد رأينا كيف كان يوسف عبد الرحمن المتهم الرئيسى فى قضية المبيدات المسرطنة، واكتشفنا أن راتبه الشهرى كان يتجاوز الثلاثمائة ألف جنيه، أى أنه يحصل على أكثر من ثلاثة ملايين جنيه، ومع هذا كان يحصل على رشاوى من شركات المبيدات المسرطنة ليسمح بدخول المبيدات التى أصابت مئات الآلاف من الفلاحين بالسرطان والفشل الكلوى ودمرتهم. نظريا لم يكن يوسف عبد الرحمن فى حاجة إلى أن يقتل هؤلاء الناس وعمليا لقد كان النظام القانونى يسمح له بالحصول على ثلاثة ملايين جنيه راتبا سنويا.
ومثل يوسف عبد الرحمن كان محافظ الغربية والجيزة الأسبق، الذى ظل سنوات طويلة يتلقى الرشاوى مع أنه ليس فى حاجة إلى الأموال. ومثلهما مدراء بنوك وموظفين كبار ووزراء لم يكن أى منهم فى حاجة إلى الرشوة ولديهم مايكفيهم.
وأحيانا يبحث البعض عن عذر لموظف صغير يرتشى، أو مسئول درجة رابعة أو سادسة، مع ارتفاعات الأسعار وازدياد الفقر، محضر فى محكمة، أو موظف فى إدارة مرور أو قسم شرطة، لكن من الصعب أن تجد مبررا لهؤلاء الحيتان الذين يملكون ملايين ويقبلون رشوة وجبة كباب أو حذاء، وأحيانا يرتشون برحلة عمرة إلى الأراضى المقدسة.
وعندما نرى فساد الكبار يصعب علينا تصور نهاية الفساد الذى انتشر فى كل الأركان، والحقيقة أن مقاومة الفساد الصغير ممكنة، بالانضباط ومكافحة البيروقراطية، لكن الخطر فى الفساد الكبير الذى وصل إلى عصب النظام السياسى، ورأينا مسئولا يرتشى من أعضاء الحزب ليضعهم فى قائمة الترشيح، أو من المواطنين ليدخل أبناءهم كلية الشرطة. إلى آخر القائمة .. السادة المرتشون الكبار فى كل المواقع، هم أصل الفساد وليس الصغار الذى يعاقبون إذا ضبطوا ويجد الكبار من يتستر عليهم.
موضوعات متعلقة..
رشوة واحدة لا تكفى
رشوة مرسيدس ومسألة فضة المعداوى.. التمساحة ياااالا..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة