د. بليغ حمدى

أمورتى الحلوة بقت طعمة!

السبت، 17 أبريل 2010 07:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكننى اختزال أفضلية اليوم السابع عن غيرها من الصحف فى أنها تتميز بسرعة الحصول على الخبر ونقله برمته للقارئ، بالإضافة إلى تنوع أبوابها وتنوع كتابها بتنوع مشاربهم ومذاهبهم، وتبقى المزية الأخيرة التى تنفرد بها اليوم السابع جريدة وموقعاً فى أنها أصبحت باباً مفتوحاً لكافة التيارات الفكرية الحزبية الموجهة، والمعارضة المستقلة، والليبرالية الحرة.

وإذا أردت أن تتعرف على تميز هذه الجريدة عليك أن تدخل على أى خبر بها أو أى مقال، ثم اقرأ التعليقات الخاصة التى يقدمها القراء حول السطور التى تسبقه، فسوف تكتشف حجم ومساحة الحرية الفكرية والليبرالية غير المتوحشة التى تنفرد بها الجريدة المتميزة، بالإضافة إلى صبر العاملين على نقل ردود وتعليقات بعض القراء حول ما يشاهدونه ويقرأونه من مقالات وآراء وأحداث.

ومن منطلق تعليقات السادة الأفاضل قراء اليوم السابع كانت هذه السطور، فليس عيباً أن يخطئ المرء منا فى رأى له أو تفسير، كما أنه ليس حراماً على الكاتب أن يبصر القارئ بحقائق قد لا يعيها، أو أنه يعيها ويفطن كنهها لكنه يغفل عن جدواها، لأن معظمنا مصر على أن اللون الأسود هو سيد الألوان، رغم أننا حينما نلاقى ربنا الواحد الذى يعلم سرنا وعلانيتنا نلقاه متشحين برداء أبيض اللون، أعنى الكفن.

وللذين تشرفت بهم بقراءة تعليقاتهم المستشرفة لمستقبل أمورتى الحلوة التى أصبحت طعمة ـ أقصد مصر طبعاً ـ يبدو أنهم وجدوا فى الدكتور محمد البرادعى وغيره من الرموز المصرية المعاصرة طوق نجاة لما هم فيه من ذل ومذلة وحيرة واضطراب ولغط يعيشونه.

ومنهم من رأى أن كاتب السطور نفسه أصبح ـ بل ربما ولد منافقاً فى مخيلتهم ـ مدفوعاً من النظام السياسى لإبراز مناقب رئيس السلطة فى مصر، بل ومدافعاً عنه، وعامل هجوم ضد شخصية عالمية غير محلية هى شخصية الدكتور محمد البرادعى الذى أصبح بين عشية وضحاها دون كيشوت هذا الزمن الجميل.

وأنا ألتمس العذر لكل من هرول نحو الدكتور محمد البرادعى؛ ذلك الرمز المصرى المشرف عالمياً، أى فى الخارج، والذى تولى منصباً رفيع المستوى، وحينما حصل على جائزة نوبل لكم تمنيت أن يمنحها شرفياً لضحايا السيول التى أصابت جنوب مصر منذ سنوات بعيدة، وليست السيول الأخيرة.

وليس من سبيل السخرية والاستهزاء ـ والله وحده أعلم ـ أن ذهاب الدكتور البرادعى لمسجد الإمام الحسين بالقاهرة نوعاً من الدعاء لمحو الذنوب، فالرجل رأى فجأة أن من واجبه نحو مصر تعديل دستورها وقوانينها، لأنه باختصار لم يكن يمتلك الوقت أثناء عمله مديراً لوكالة الطاقة الذرية ليتفرغ لهذا القرار التاريخى، فالرجل ـ كما نعلم ـ كان مشغولاً بكيفية احتراز الصمت هو ومعاونيه أثناء اقتحام الولايات المتحدة للعراق والتفتيش عن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنفسية، كما أنه كان مهموماً بالعمل فى الوقت التى كانت ولا تزال أمريكا تضغط على العالم كله بشأن تسليح إيران النووي، فكيف يتفرغ لمصر وقضاياها المصيرية.

ومع هذا فالمصريون لايزالون يفكرون بمنطق " فيها إيه لو نجرب الجديد، ما هو يمكن ينفع برضه"، والأجدى أن يدفع المقربون والمحيطون والمهللون للدكتور البرادعى لخوض انتخابات مجلس الشعب على سبيل التجربة، وهذا هو التفكير العلمى الأكاديمى الذى سأل عنه بعض القراء، فعليه أن يترشح عن دائرته الفعلية الواقعية والتى يمثلها بسطاء هذا الشعب، وبعدها سوف ننتظر مساجلاته التاريخية تحت قبة البرلمان.

فمصر ليست فيتنام، أو كوبا، أو كشمير، أو كمبوديا والخمير الحمر، أى أن الفرد إذا أراد أن يغير واقعاً معاشاً فعليه التنديد والشجب والاعتراض على ما هو قائم، إن أهم ما يميز مصر أن لها نظاماً سياسياً دستورياً، ومن الأحرى أن نسمع ونرى ونشاهد ما سوف يفعله الدكتور البرادعى للشعب فى صورته المحلية، لا من خلال أحاديث الأصدقاء والمبعدين والمستبعدين عن الحياة السياسية لأن لهم آراء فى الغالب تبدو مضادة للنظام والسلطة والحكومة بوجه عام.

ولعل فرصة دخول الدكتور البرادعى ـ ذى القامة العلمية الرفيعة والشاهقة ـ انتخابات مجلس الشعب المقبلة فرصة طيبة وخصبة فى التعرف على مشكلات دائرته التى ينتمى إليها بصورة مباشرة ودون استقبالات احتفالية تقدر حجم الرجل العلمى بل ما سيحمله من أفكار تخدم المواطنين مثل تشييد الكبارى وإقامة مدارس عامة ونوعية، وخططه لمواجهة الفقر داخل دائرته، وإجراءاته المستقبلية لتطوير وتجديد الخطاب الدينى، وكيف يسافر المرء من سوهاج إلى القاهرة عبر سكك حديد الموت فى آمان وطمأنينة.
أما الحديث عن قضايا مصر ـ التى أصبحت حلوة وطعمة فجأة فى نظر مقتنصى الفرص ـ بصورة عامة كالإرهاب وبن لادن والظواهري، والانتخابات التى لم يذهب إلى لجانها الدكتور البرادعى، وأزمة الحياة السياسية وقمع الأحزاب، وأن الشعب هو الحزب الحقيقى، فهى دلائل تشير عن قرب ويقين بأن الدكتور البرادعى بحاجة ضرورية إلى رصد مشكلات الوطن الداخلية.

وليت المدافعين عن خطط ومشروعات الدكتور البرادعى التنموية والتطويرية لمصر ـ لأنه بالطبع مشغول بفكرة تعديل الدستور الذى ولد وفجر الإرهاب والفتنة الطائفية وخروجنا من تصفيات كأس العالم ـ يحدثوننا عن رأيه فى ظواهر مصرية خالصة الصنع مثل الضرائب العقارية، وتصدير الغاز لإسرائيل، ودخول الجنديات الإسرائيليات الحرم الإبراهيمى بأحذيتهن، والجدار العازل، ومشروع تطوير الثانوية العامة المقترح.
وجميل أن يظهر الدكتور البرادعى احترامه للدستور، ودخوله العمل السياسى وفق ضوابط دستورية سياسية تحكم النشاط والمشاركة السياسية، وهو أمر يحمد عليه، لكنه فى الوقت نفسه يشترط تعديل هذا الدستور من أجل انضمامه للعمل السياسى ـ وهذا ما قاله فى مؤتمره الشعبى بالمنصورة ـ رغم أن الدستور الذى يطالب تعديله وتطويره ونسف بعض مواده التى تقف حجر عثرة فى طريق تقدمنا العلمى الجامعي، وفى طريق مراكزنا البحثية الراكدة، وفى خطابنا الدينى الذى بات قنبلة موقوتة موجهة لصدر نسيج الأمة مسلمين وأقباط، هو ـ الدستور ـ نفسه الذى سمح له بالتواجد الشعبي، وبتلقى الدعوات للقاء مريديه وراغبى الاستماع لأطروحته المستقبلية لتعديل الدستور دون فرعونية أو قمع أو استبعاد اجتماعى يذكر.
سيادة الدكتور محمد البرادعى : أنقل لك شوق طلاب الجامعة لاسيما طلاب كليات العلوم والهندسة فى الاستماع إلى خبراتك العلمية والوظيفية المتخصصة جداً والتى أتيحت لك وحدك بصفتك السابقة كمدير لوكالة الطاقة الذرية، لأنهم يريدون أن تصبح مصرهم حلوة وطعمة ومتميزة، فهم بحق بحاجة ماسة لمعرفة كيف تفوق الغرب ولا يزال يتفوق فى مجالات لا نعلم عنها شيئاً سوى أسماء بعض الدول المصنعة والمنتجة لها مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا وإيران وإسرائيل، أم أن هذا حديثاً مسكوتاً عنه؟.

* أكاديمى مصرى.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة