وليد طوغان

فى عصر "أبو الليف" و"السكالانس"

السبت، 17 أبريل 2010 07:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
علق بعضهم على ما أكتب بأننى انفصلت عن القضايا الحيوية للمجتمع بمهاجمة الدين على حد قولهم، وفضلوا أن أعود للكتابة عما يهم الجمهور العريض.

وفى التعليقات أيضا، أقرأ كثيرا توصيفات تدل على المستوى الفكرى لكتابها.
مثلا مرة وصف أحدهم كلامى عن "تاريخ الصراع السنى الشيعى" بـ "البطيخ"، ولم أفهم هل هو مدح أم ذم، فإذا كان صاحب التعليق لا يحبه، فأنا أحب البطيخ، كما معظم المصريين.

مرة ثانية علق واحد على مقارنتى بين مذهب الإمام الشافعى ورؤيته للحديث النبوى وبين طريقة الإمام مالك فى "تجريح وتعديل رواة السنة" بـ "الساكالانس".. وهو ما لم أفهم وقتها فقط ماذا عنى به صاحبه، لكننى فى الوقت نفسه لم أعرف إذا كان لفظا عربيا أو أجنبيا.

أيام دراستى للفقه المقارن بأحد المعاهد الأزهرية، وخلال تحضيرى لرسالة الماجستير فى الاقتصاد الإسلامى قبل سنوات زاملت من الطلبة الأجانب من كان على استعداد لأن يدفع كل ما يملك للاطلاع على أساليب فقهاء المسلمين فى الحكم على أمور الدنيا، والتعرف على صحيح الدين.

زملائى عادوا لبلادهم بدرجات علمية تراوحت بين الماجستير والدكتوراه، وهمهم الأول تنقية ما دخل مجتمعاتهم من "أفكارا ليست من الإسلام"، تحولت بمرور الوقت إلى معلوما من الدين بالضرورة "مع ما استتبع ذلك من كوارث اجتماعية".

همهم أيضا كان محاولة حض الشباب على البحث والفحص والدرس، ونبذ التطرف ورفع الخرافات الدينية فى المجتمعات الإسلامية بمناقشة كل شىء.. بهدوء، وعلم ودراسة، ودون استخدام ألفاظ بذيئة لاتتناسب مع مناقشات محترمة بين شباب يطلب علما.. ورقى.
كثيرون من هؤلاء الزملاء الذى لازال الاتصال بيننا قائم بعد عودتهم لبلادهم، قالوا إنهم فشلوا.. لأن ما وصفوه بـ التدين "الشكلى" كان قد غطى على عقول المسلمين.

أذكر أن زميلا من "جزيرة سومطرة" اجتزنا معا أول دبلومة دراسات عليا مؤهلة للماجستير فى الفقه بتقدير امتياز، فكان الأول على الدفعة، فى حين كنت الثانى على نفس الدفعة بتقدير جيد جدا عام 2004 قال لى إنه لا يعرف لماذا تحول الدين إلى سلاح فتاك يثير أزمات اجتماعية، مع أن الأصل فى التشريع الإسلامى صلاح المجتمعات؟.

وبعد مناقشات عرفت أنه قرر بعد الحصول على الماجستير من مصر، العودة لبلاده لدراسة علم الاجتماع، والتخصص فى الاجتماع الدينى على وجه الخصوص.

زميل آخر أندونيسى الجنسية سألنى عن نسبة الزيادة فى ظواهر التدين "الطقسى" كاللحى والحجاب مقارنة بما قبل ثلاثين عاما، ولما أجبت باعتقادى زيادة تلك المظاهر 80% مقارنة بالثمانينات، عاد وسأل عما إذا كانت الدعاوى القضائية قد قلت فى المحاكم بنفس النسبة؟.. وقتها أجبت بالنفى، بينما سكت هو، ووصلتنى الرسالة.

فالمفترض أن يقابل زيادة التدين (على فرض أن النقاب والحجاب وإطلاق اللحى تدين) فى مجتمع ما، انحسار شديد فى مظاهر أكل الحقوق، وتعمد المظالم، والسحت، المعنى الذى قصده زميلى هو أن ظواهر التدين فى مجتمعاتنا مجرد شكل، فقد اختزل الإسلام فى لحية، وحجاب، ولوحات إرشادية فى الشوارع مكتوب عليها "الصلاة يا مؤمنين"، أو "صلى قبل أن يصلى عليك"، على أساس أن الإسلام هو الصلاة، بينما حقوق المسلمين عند المسلمين ومعاملاتهم، التى غالبا ما لا يستردوها من بعض إلا فى ساحات المحاكم.. شيىء آخر.
يرى البعض أن ما أناقشه فى الدين بعيد عن اهتمامات الشارع، مع أن هذا ليس صحيحا فى اعتقادى.

بعد الحرب العالمية الثانية، غلفت التجارة والاقتصاد والسلوكيات الاجتماعية بأطر دينية، وفى السياسة، ظهر الذين رفضوا الدين، كما ظهر الذين استغلوا ما لديهم من نظريات فقهية فى القتل والضرب والتنظيم رغبة فى الحكم .. وطمعا فى الدنيا.

الإخوان المسلمون مثلا، تنظيم سياسى دينى يرغب فى الحكومة، رغم تأكيد أعضاؤه أنهم أهل دعوة، فلا يعقل أن نوابهم الـ 88 خاضوا معارك الانتخابات البرلمانية، لحض أعضاء مجلس الشعب على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة!.

الدين هو محرك مجتمعاتنا، فهو الذى يقلب السياسة، وبه يناور الساسة، ومنه انطلق الكثيرون للسيطرة على الاقتصاد، النقابات المهنية، دون أن نعرف ما الذى يمكن أن يسيطروا عليه فيما بعد.

توصيفات بعضهم لى الخارجة عن حدود الأدب لا تضايقنى فعلا، لكن ما يستفزنى أن كثيرين من الشباب على استعداد للكلام ساعات طويلة عن ألبوم أبو الليف، ثم يستخدمون مفردات من نفس العينة فى التعليق على ما أحاول طرحه من قضايا قضى فيها أساتذة أجلاء أضعاف عمرى، وعمر صاحب تعليق "السكلانس".

كل ما حاولت قوله منذ أعطانى اليوم السابع فرصة المشاركة بالقلم أن الفت الانتباه إلى الذى دخل على العقيدة الإسلامية وليس منها، وحاولت أن ألقى أضواء على الغرباء الذين سعوا بالسياسة، لفتنتنا فى الدين .. كالشيعة مثلا.

أعتقد أن لى أجر فى اجتهادى، ولصاحب تعليق "البطيخ" أجر فى محل "عصير القصب" الذى أفضل ان يلتحق بالعمل فيه.. بدلا من تضييع الوقت فى قراءة اجتهادات الذين يحاولون أن يثبتوا أنه لا فى الأثر ولا فى السنة، ولا فى كتاب الله نصا يحرم "البطيخ"، أما لفظ "السكلانس"، فسوف أعود فيه لأساتذتى ومكتبتى.. عسى أن نعرف له معنى!!
* مساعد رئيس تحرير جريدة روز اليوسف.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة