الطبيعى أن ينمو الاستبداد والتسلط على جلد الحزب الوطنى، وأن يبقى رفض الرأى الآخر، واستبعاد الآخر نفسه، من مهام نواب الاغلبية وحكومة الأغلبية، وأن يرفض البعض التغيير ويقاوم تداول السلطة، فإن الظاهرة التى تجتاح التيارات والقوى السياسية تتجاوز أحيانا ديكتاتورية الحزب الوطنى لتقدم أروع ما يمكن اقتناؤه من تسلط، وقد انتقل فيروس التسلط من الحزب الوطنى إلى الأحزاب، وترك كل حزب اهدافه المعلنة والسرية، وتفرغ قياداته للتصارع الداخلي، والتلاسن الخارجى، الحوار محظور والمناقشة ممنوعة.
الحزب الوطنى يصادر المعارضة فى مجلس الشعب أو المجالس المحلية والشارع، والمعارضة تصادر بعضها ونفسها وغيرها، فى المقرات التى باتت جبهات قتال. أصبحنا نتفرج طوال الوقت على مباريات فى الملاكمة السياسية والمصارعة الحرة، تنتهى إلى انتصار طرف حزبى على طرف آخر وهزيمة الحزب والحركة والتيار.
حدث فى حزب العمل ويحدث فى الوفد والناصرى والتجمع بدرجات متفاوتة، مع أنها أحزاب لا يمكن القول أنها تضم عددا وافرا من الأعضاء ولا تحظى بجماهيرية طاغية، استنفدت مرات الرسوب فى الشارع قبل لجان الانتخابات، لأنها تطالب بالديموقراطية وتداول السلطة وتنسى نفسها.
السبب هو التسلط والديكتاتورية وعدم القدرة على تقبل الاختلاف، وهو مرض يتجلى فى أعلى صوره فى تركيبة نظام يجمع أسوا ما فى الأنظمة السياسية.
لدى عدد وافر من الكتاب الذين لايقبلون أن يختلف معهم آخر، أو يختلف عنهم أحد، وجماعات دينية ترفض الآخرين حتى لو كانوا متحدين فى الدين، الطائفية ليست فقط بين المختلفين فى الدين، بل المختلفين فى الطائفة وربما القبيلة.
كل هذا يمكن احتماله وكان الرهان على ان تغير أدوات العصر شكل السلطة وتركيبتها، وتجعل من حق الأغلبية المشاركة، لقد بشرت أدوات الاتصال والإخبار بانتهاء عهد احتكار الرأى والتعبير، واتساع دوائر المشاركة، لكن ما جرى أن التسلط انتقل إلى حركات الاحتجاج والتغيير، ولدى قطاع من الشباب يفترض انه استفادوا من عصر المعلومات ومن الإنترنت والفيس بوك الذى تحول إلى أدوات تدوين ومناقشة، غير شكل السلطة وكسر احتكار الحكومة او المعارضة لوسائل الإعلام.
أصبح هناك تيار شبابى يشارك فى التغيير بعد أن كان معزولا ومهملا من الحزب الوطنى والنظام ومن الاحزاب، شباب أصابه الملل من خطابات سياسية خشبية، ومناورات وصراعات بلا هدف، لكن أمراض الاحتكار والتسلط انتقلت إلى هذه الحركات، ورأينا كيف أصبحت حركة مثل كفاية عبارة عن مجموعة قيادات كل منها فى اتجاه، لا أحد يريد قبول الآخر، والتلاسن أقرب نقطة بين مختلفين، وأصبحت بعض المدونات، إلى مراكز لإطلاق الشتائم، والمناقشات إلى ردح وسب وقذف.
حتى الحركة الوطنية التى ارتبطت بالدكتور البرادعى أصاب بعض قيادتها غرور مبكر، ورغبة فى المصادرة ورفض الآخرين، وانتقاء إعلام خاص، بما ينذر بأن تصبح مثل سابقاتها، أفراد يطاردون أضواء الكاميرات أو يعلنون رأيا فرديا لا يحتمل المناقشة، بل رأينا من يستخدم الإنترنت ليدعو لمصادرة آراء الآخرين.
ربما لم يصل الأمر إلى الأغلبية لكن مرض الديكتاتورية أصاب الحركات من أجل التغيير، وساد الكيد بدلا من المعارضة، والاستعراض بدلا من الخطاب، ورأينا كثير من الحركات كلها من أجل التغيير، لكن السائد حتى الآن هو "الديكتاتورية من أجل التغيير"، أو رفض التغيير لأنها تساعد التسلط وتغذى الجمود.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة