لو رايت طائرا ضخما يحلق فى الفضاء ويضرب الهواء بجناحيه القوية ويصرخ صرخة الانتشاء بقوته ثم ينقض على الجيفة ليأكلها أو ينقض على أرنب صغير ضعيف ليلتهمه ولا يترك له من أثر سوى صرخته فى البرية. هذا الكائن الذى لا رحمة عنده للضعفاء ولا يتردد فى أكل كل متعفن فيزداد باطنه عفونة وليزداد قلبه موتا.
هذا الكائن يدرج فى الموتى فالحياة نعمة تزداد جمالا وبهاء بالقيم التى أرسلها الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء ليتم نعمته على عباده وتصبح حياة البشر ذات قيمة ومعنى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وقال فى حديث آخر «إن العبد يصل بحسن الخلق إلى مكانة لا يصل إليها العابد». ومن أول مكارم الأخلاق الرحمة بالفقير والضعيف فالرحمة مشتقة من اسم الله الرحمن الرحيم. ويرتبط بالرحمة السلام وبالتالى يتواجد الوداد فى القلوب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام» بهؤلاء الثلاثة نال سيدنا إبراهيم درجة الخليلية. والطعام هنا يشتمل على غذاء البدن والذهن والروح والسلام يعنى كل حالات السلام، ومنها السلام النفسى والاجتماعى بحيث ينتفى الصراع، أما الصلاة فهنا تعنى ذكر الله وإحياء القلب بذكره إذا غفل الناس عنه.
فالإنسان الذى يشبه الطيور الجارحة لا يعلم ماذا يكون فى انتظاره. حياة الطائر الجارح تنتهى بطلقة من بندقية أو بسهم والإنسان تنتهى حياته برصاصة الموت. والكل يحاسب «وما ربك بظلام للعبيد».
قال خير البشر وسلطان الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن البركة فى الجماعة». وهنا توجيه نبوى شريف بأن يقتسم الناس الطعام، أى الخير، أى النعم الممنوحة من السماء للإنسان، أما الفردية العمياء فتدمر العلاقات الإنسانية وتجلب الصراع والبغضاء بين الناس. والمقصود هنا أن تعم الرحمة المجتمع بحيث لا يموت ناس من التخمة ويموت آخرون من الجوع أو يتعلم ناس ويموت آخرون من الجهل. إن هذا اختبار سمائى للإنسان. هل يكبل الإنسان نفسه بالأنانية فيموت قلبه وبدنه وعقله وتجف عروق المحبة فيه أم يتعلم من الجود الإلهى العطاء؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة ومن المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط وأن تصب من دلوك فى إناء جارك». إن هذا أبسط أشكال العطاء الإنسانى. بركة الله فى العطاء ينالها المانح وكذلك الممنوح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة