كيف يشارك القطاع الخاص فى البنية الأساسية قبل أن تعلن الحكومة عن اسم من تلقى الرشوة من شركة «دايملر»
لا تغيب عنك هذه الحماسة الهائلة التى تتعامل بها حكومة الدكتور أحمد نظيف مع مشروع قانون مشاركة القطاع الخاص فى تنفيذ البنية الأساسية فى مصر، كل شىء الآن صار مسخرا لتمرير هذا القانون، بعد الموافقة المبدئية عليه داخل مجلس الشعب، وكل نائب من نواب الحزب الحاكم تحول إلى آلة دعاية تعمل بلا انقطاع لترويج القانون، باعتباره نجاحا حكوميا وخطوة نحو التقدم والتنمية، وكل صحيفة حكومية تتمادى فى إلحاحها على الناس لتسويق هذا المشروع الجديد، وتفرغ النائب أحمد عز أمين التنظيم فى الحزب الوطنى لصد هجمات نواب المعارضة والمستقلين الذين تحركهم مخاوف جادة تجاه هذا القانون، وطالما كان أحمد عز فى صف القانون، فالأمر يعنى أنه صادر لا محالة، ولو اجتمع أهل مصر جميعا على أن يعطلوه ساعة واحدة ما استطاعوا، ولو تحالف أهل العلم جميعا لكى يتأملوا القانون وتداعياته، ما نالوا من ذلك شيئا طالما انحاز إليه أحمد عز.
أحمد عز عاير البرلمان بأننا متأخرون عن الركب العالمى، وزعم أنه (فى أوروبا والدول المتقدمة) يعمل القطاع الخاص وحده فى تنفيذ مشروعات البنية الأساسية، لكن النائب الكبير ينسى هنا أنه فى (أوروبا والدول المتقدمة) لا تتستر الحكومة على رشوة هائلة لمسؤوليها النافذين، مثلما حدث فى قضية رشوة مرسيدس، وفى (أوروبا والدول المتقدمة) اعترفت شركة «دايملر» بأنها قدمت رشاوى للمسؤولين فى أكثر من عشرين بلدا فى العالم، بعدما حاصرها القضاء الأمريكى وأجبرها على دفع غرامة هائلة، وفى (أوروبا والدول المتقدمة) ينشط البرلمان لمحاسبة الشركات الخاصة والحكومية لصالح المال العام، وفى (أوروبا والدول المتقدمة) لا تمنح الحكومات تعاقدات طويلة المدى لشركات القطاع الخاص بالأمر المباشر، (وفى أوروبا والدول المتقدمة) لا يتزاوج المال مع السلطة فى المجالس التشريعية، ولا يعمل الوزراء فى مجال البيزنس، ولا ينتقل رجال البيزنس للعمل فى الحكومة.
النائب أحمد عز وجهازه التنظيمى ونوابه فى الأغلبية يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض فى فهمهم لما يجرى فى العالم، ويعايرون الناس (بأوروبا والدول المتقدمة)، فى حين لا يستطيعون تطبيق مبدأ واحد من مبادئ المحاسبة والرقابة التشريعية على غرار البرلمانات الأوروبية، لكى يطمئن الناس أن المال العام تحرك فى قنوات شرعية، ولم يذهب سدى بالمحسوبية والرشوة والتحالفات غير الشرعية. النائب أحمد عز سيكون قطعا، هو وأصدقاؤه من كبار رجال البيزنس، أول من يقطفون ثمار هذا القانون الجديد، دون أن يكون للناس أى مظلة تضمن لهم أن المعايير القانونية هى الحكم الأول فى دخول القطاع الخاص إلى مشروعات البنية الأساسية بملياراتها الهائلة المقطوعة من عرق الناس، أو تلك التى تدرها المعونات الأجنبية.
أسأل تحديدا عن المعونات الأجنبية التى تتدفق على مشروعات البنية الأساسية فى مصر، فلا يوجد بلد واحد من البلدان المانحة لمصر لا يهب مليارات الجنيهات سنويا لمشروعات البنية التحتية، فهل تلك هى الكعكة التى يبحث عنها القطاع الخاص فى هذا المجال؟ وهل جاء القانون ليحسم تدفق هذه المعونات لصالح قائمة محددة من رجال الأعمال المقربين من الدوائر العليا للسلطة؟
أسأل فقط: هل يشارك القطاع الخاص فى تنفيذ مشروعات المياه والصرف الصحى والكهرباء والطرق والمدارس بأموال الحكومة، أم بأموال البنوك، أم بأموال المعونات الأجنبية؟ وأسأل أيضا عن مصير الشركات العامة التى تقوم فى جدية وكفاءة بتنفيذ عدد كبير من هذه المشروعات طوال الأعوام الثلاثين الماضية، هل ينتهى دور هذه الشركات، أم إنها ضربة جديدة لتصفية ما تبقى من الشركات الحكومية العملاقة فى هذا الميدان؟ وأسأل أيضا عن الضمانات التى تحكم عمل الوزراء وكبار المسؤولين عند ترسية العطاءات على شركة دون غيرها من شركات القطاع الخاص؟ ومن هى الشركات التى ستحظى برعاية الحكومة فى هذا المجال؟ وهل أصحابها من الوزراء أم من نواب حزب الأغلبية؟
لاحظ هنا أنه فى (أوروبا والدول المتقدمة) يجرى كل شىء فى العلن، وحين تخطئ الحكومة أو تخطئ الشركات الخاصة العملاقة، فإنها لا تجد مفرا من العقاب القانونى، أما هنا فى مصر فنحن نجهل حتى الآن اسم المسؤول الكبير الذى تلقى رشوة من شركة مرسيدس، وهنا فى مصر أيضا لا نعرف هل تصدر القوانين لمصلحة الناس أم لمصلحة تلك الفئة التى تسيطر على المجلس وعلى الحكومة؟
أنا شخصيا أصنّف نفسى من المؤمنين باقتصاد السوق، ومن المناصرين للقطاع الخاص، بل إن هذه الصحيفة التى بين يديك تصدر عن القطاع الخاص، لكن هذا الإيمان لا يعنى أبدا أن يخدعنا أحمد عز أو نوابه المخلصون فى المجلس، بأن نمنح للقطاع الخاص شيكا على بياض فى مشروعات تتم بأموال عامة، أو أن تكون حكومة نصفها من رجال الأعمال هى المسؤولة عن مشاركة رجال أعمال آخرين فى تنفيذ مشروعات البنية الأساسية التى هى خبزنا وزرعنا فى بلد يعانى من هذا القدر الهائل من الفقر والفساد.
نحن نريد أن نسير على خُطا أوروبا والدول المتقدمة يا سيادة النائب، لكن مع المحاسبة الجادة والشفافية المطلقة وحكم القانون، لا مع التستر والإخفاء والصفقات الخاصة، والتحالفات التى تعلو على جثة القانون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة