لا أتصور قارئ صحافة اليوم هو نفسه قارئ الماضى القريب أو البعيد، ولم تعد العلاقة اليوم بين من يكتب ومن يقرأ هى العلاقة بين من يعرف ومن يريد أن يعرف، من يفهم ومن يحاول أن يفهم. وإنما أتعامل مع قارئ اليوم باعتباره شريكاً لى فى الفكر ومحاولات المعرفة واجتهادات الرؤية، أثق تماماً فى أننى لست أفضل أو أهم أو أعمق ممن يقرأ، وبهذا المنطق لابد أن تتحول الكتابة من دروس ومحاضرات يلقيها أستاذ على تلاميذ إلى حوار مشترك تتقاسمه وجوه وأسماء كثيرة تنشد كلها حلولاً لمشكلاتنا وخلاصاً من همومنا وجروحنا، وتفتيشاً عن أحلام ممكن تحقيقها ومستقبل أفضل نشعر كلنا أننا نستحقه.
هكذا أؤمن بما أكتبه وبكل من يقرأ سواء اتفق معى أو اختلف، وليس صحيحاً أنه من الضرورى أن نتفق، ولو اتفقت مع كل من يقرؤنى على رأى أو موقف لكان ذلك معناه أننا فقدنا القدرة على التفكير أو أن هناك خطأ ما داخلنا كلنا، وأنا أعرف أنه ليس كل من يكتب اليوم يمتلك نفس هذه الرؤية أو هذا المنطق، ولا أملك أن ألوم أحداً منهم أو أعاتبه على ذلك، فقط ألوم وأعتب على بعض القراء الذين يناقضون أنفسهم أحياناً، يرفضون ويضيقون بالكاتب الذى يتصور نفسه أستاذاً بينم هم يعيشون طول الوقت أساتذة لكل من يكتب أو يتكلم، يرفضون الذى يكتب ويسخر أو ينتقص من قدر أى أحد، بينما هم فى تعليقاتهم يتفننون ويتقنون السخرية والانتقاص من أقدار الجميع وإهانة أى أحد، يواجهون كل من يكتب بحقيقة رائعة، وهى أن لا أحد يعرف كل شىء، بينما كل واحد منهم يتصور أنه يعرف كل شىء.
وهى تناقضات قليلة حتى إن كانت مزعجة لكنها تجسيد واضح وحقيقى لتناقضات كثيرة باتت تسكن مصر، وسأجتهد لشرح بعض هذه التناقضات وسأجد كثيرين من القراء الذين سيشاركوننى التفكير فى كل ذلك وسيتفقون أو يختلفون معى، قد يرفضون ما أقدمه أنا ويطرحون هم أمثلة ورؤى أكثر ضرورة ووضوحاً، وسيضيفون كثيراً جداً من تجاربهم ومعارفهم حتى تبدو الصورة النهائية أشد وضوحاً وعمقاً وتأثيراً، وقد يختلفون ويؤكدون أنه ليست هناك تناقضات أصلا، بينما سأجد قليلين جداً لا يملكون إلا السخرية من كل شىء، وسيتبرع هؤلاء بإهانة كل أحد، وسيفاجئنى أحد هؤلاء، وبلا أى مناسبة أو تفسير، بتعليق عن شوبير أو الأهلى والزمالك.
وبمناسبة شوبير، أظن أن أحد أهم تناقضاتنا مؤخراً هو ذلك الاهتمام الجماعى الطاغى بخلاف مرتضى منصور وشوبير، ولا أستبعد الناس من هذا التناقض وأقصر اتهامى على الإعلام فقط، فالناس نفسها هى التى فرضت هذا الاهتمام على الإعلام، والناس التى تتبرم الآن من محمود سعد وحلقة المصالحة فى مصر النهارده، وتتحدث عن الحلقة ومقدمها وضيوفها بمنتهى الضيق والاستياء، هم أول من سيجرى لمشاهدة أى شاشة تستضيف الاثنين من جديد، ومن المثير أن مؤتمر دول حوض وادى النيل فى شرم الشيخ الذى أبان عن مخاطر حقيقية تواجه المصريين جميعاً وتهديد مخيف بحرمانهم من مياة النيل، لم يلق ولو واحد بالمائة من اهتمام المصريين بمرتضى وشوبير.
تناقض آخر فى تعامل الإعلام والناس مع أزمة الحشيش فى مصر، فبدأ كثيرون جداً يتحدثون عن الأزمة دون أن ينتبهوا إلى أن هذه الأزمة هى ما كنا نريدها منذ البداية ومنذ تأسست إدارة لمكافحة المخدرات، وهو ما يعنى أنه ليست هناك أزمة، وإنما نجاح، لكننا أصبحنا لا نحب ولا نجيد إلا الحديث عن الأزمات، ولم يتوقف أحد حتى الآن عند الضباط الذين نمنحهم الاستثناء فى عضوية الأندية الرياضية والمواصلات ولكننا نرفض أن نمنحهم حقاً ضرورياً ورائعاً بأن يكون لهم رأى وصوت فى أى انتخابات للرئاسة والبرلمان، وكأننا نتخيل أن عضوية النادى الرياضى أو ركوب القطار بنصف الثمن أهم للضابط من مشاركته فى أى انتخابات حقيقية، ثم لا أحد يتحدث وسط انفجار أزمة اللحوم وجنون أسعارها عن الفاسدين الذين تلاعبوا بأسواق اللحوم والدواجن وغيروا قوانين وأضافوا أو ألغوا إجراءات لتحقيق مكاسب على حساب الناس، والأخطر من ذلك هو قرار منع التليفونات الصينية وانشغلنا كلنا بالمستفيد من هذا القرار ولم نسأل لماذا لم تفكر مصر أبداً فى صنع مثل هذه التليفونات الرخيصة، لماذا لم يكن هناك أى جهد أو فكر لدعوة الشركات العالمية الكبرى لتصنيع التليفونات أو الكمبيوتر لإقامة مصانعها فى مصر مثلما جرى فى العشرين عاما الأخيرة فى الهند وماليزيا وغيرهما. وهذا كله، مجرد دعوة للحوار وللفكر والتساؤل، بحثا عن إجابات وحلول وحقائق، ومستقبل أيضاً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة