«دول حوض النيل تطمئن مصر بأنها ستراعى مصالحها فى أى اتفاقيات تبرمها!»، خبر فى ظاهره طمأنة وهمية وفى باطنه خزى وعار وفشل سياسى وتهديد أمن ورائحة طين عَطِش.
بعد أن كانت دول حوض النيل فى حاجة إلى موافقة مصر على أى مشروع تفكر فى إنشائه على النيل، صارت تبنى وتفتتح السدود حتى دون مشاورة مصر. وبعد أن كانت مُلزَمة بعدم إبرام أى اتفاق خاص بنهر النيل إلا بعد الحصول على «نعم» من مصر فها هى اليوم لا تلتفت إلى «نعم« ولا «لا» من مصر. من الطبيعى إذن أن يتبدل الفاعل والمفعول به فى الخبر؛ بدلاً من أن ترعى مصر مصالح هذه الدول كما كان الحال دائماً، أصبحت هى التى تمنّ على مصر بطمأنتها!
الخبر مُتوقّع.. فبعد أن بنينا السد العالى، سرنا نبنى بغيبتنا سدوداً أعلى فى علاقاتنا مع دول حوض النيل. والآن حان دورهم لبناء سدودهم، التى لن تكون سدود علاقات فحسب بل سدودا لمياهنا وقوتنا.
بمتابعة ما يحدث فى دول المنبع يمكن لأى مُغَيَّب أن يتوقع ما يحدث الآن. على سبيل المثال لا الحصر: فى ديسمبر 2003 هددت كينيا بالانسحاب من اتفاقية 1929 بعد أن مرر البرلمان بيانا يطالب فيه الحكومة الكينية بتعديل الاتفاقية أو الانسحاب منها. حينها، وجه د.محمود أبوزيد وزير الرى تحذيراً قوياً لكينيا قائلاً إن انسحابها سيُعد خرقاً للقانون الدولى وإعلان حالة حرب. كان جرس الإنذار فى تنزانيا أعنف، فى يوليو 2007 طالب أعضاء البرلمان فى جلسة عاصفة، حكومتَهم بإلغاء اتفاقية 1929 وأصروا على أن «كامل» استغلال بحيرة فكتوريا حق لتنزانيا يجب إعادته، وحمّلوا مصر مسؤولية مشاكل بلدهم.
هكذا تنظر برلمانات المنبع إلى القضية، أما برلمان المصب فقد رأى فى نوفمبر 2009 أن الأمر لا ترتقى أهميته للمناقشة فى لجنة العلاقات الخارجية فقصر مناقشته على لجنة الرى!
كان ذلك رد فعل مجلسنا الموقر على طلب الإحاطة المقدم من النائب د.جمال زهران لوزيرى الخارجية والرى حول تهديد سد تيكيزى فى إثيوبيا حصة مصر من المياه وتهديد التشجيع الإسرائيلى لبناء مثل هذه السدود للأمن القومى المصرى. هذا الصمت المصرى الذى شارك فيه البرلمان لم يبدأ طبعاً فى 2009 بل قبل ذلك بسنوات طويلة كانت إسرائيل خلالها أول من تلقف حالة الغضب والاحتجاج الإفريقى، وتوجت عملها (بالأحرى خيبتنا نحن) بالإعلان فى سبتمبر 2009 عن تمويلها لخمسة سدود فى تنزانيا ورواندا. والآن ماذا بعد؟!
هل نعتبر أى اتفاق بدون مصر بمثابة إعلان حرب كما قال وزير الرى السابق؟ أم نظل فى غفلتنا معتبرين «أن حقوق مصر من مياه النيل مؤمنة» كما يقول الوزير الحالى د.محمد نصر الدين علام؟ ولا أعلم مَن وما وأى ورق ضغط نمتلكه ليؤمن مياهنا. أم نتحرك بأقصى قوة وسرعة فى بناء مصالح اقتصادية مع دول المنبع داعين الله أن تأتى ولو بثمرة واحدة قبل أن نعطش؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة