كان من المتوقع رد الفعل الغاضب من قبل المجتمع المصرى بمختلف فئاته تجاه تصريحات أعضاء مجلس الشعب أمام لجنتى الدفاع والأمن القومى وحقوق الإنسان بالمجلس، المطالبة للشرطة بإطلاق الرصاص ضد المتظاهرين، وجاء هذا الرد تخوفاً من أن يشكل هذا المطلب أمراً لأجهزة الأمن باستخدام مفرط للقوة وللسلاح النارى .
وهذه التصريحات كانت أشبه بالصدمة للجميع لعدة أسباب: أولها لكونها صادرة عن أعضاء مجلس الأمة وهم يمثلون الشعب كله وليس دائرتهم الانتخابية فقط، وثانيها أن البرلمان هو السلطة التشريعية وما يصدر عنه فهو قانون واجب النفاذ، وثالثها أن مجلس الشعب مهمته الأساسية بجوار التشريع هو الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها إذا تعسفت فى تنفيذ القانون أو خالفت الدستور والقانون .
والغريب فى الأمر، أن اجتماع لجنتى الدفاع الأمن القومى وحقوق الإنسان كان بشأن مناقشة طلبات إحاطة بشأن الإفراط فى استخدام القوة من قبل قوات الشرطة ضد متظاهرى 6 إبريل، غير أن الرأى العام قد فوجئ بأن السادة النواب يأخذون على قوات الأمن وعلى السيد وزير الداخلية أنهم تعاملوا بحنية، وطبعاً وكما يعلم الجميع فإنه تم كيل السباب للحركات الاحتجاجية وأوصوا باستخدام القوة وإطلاق الرصاص.ومما يدعو للذهول أنهم برروا هذا بأن القانون يسمح باستخدام القوة، فى إشارة إلى قانون الشرطة، والغريب أيضا أن متحدثا رسميا بوزارة الداخلية أصدر بياناً أكد فيه على نفس المعنى، فهل يسمح القانون بالفعل بإطلاق الرصاص على متظاهرين سلمياً؟.
فى الحقيقة الأمر، ودون الدخول فى جدل قانونى يطول الحديث فيه، فإن هذا فهم قاصر لنص القانون ، فالشرطة لها الحق فى استخدام القوة بشروط وضوابط شديدة الصرامة، وهى بالأساس تقوم على الحق الطبيعى فى الدفاع الشرعى عن النفس ، وهو الأمر الذى حدده قانون العقوبات بشكل قاطع كسبب من أسباب الإباحة لأى شخص فما بالك برجل الشرطة وهو ينفذ القانون، غير ذلك فقد وضعت شروطا وضوابط لاستخدام السلاح النارى فى مواجهة التجمهر وليس التظاهر السلمى، وهنا نود أن نفرق بين التجمهر والتظاهر السلمى، فالتجمهر وفقاً للقانون هو تجمع أكثر من 5 أشخاص فى الطريق العام بهدف الإخلال بالأمن العام وعلى وجه الخصوص تهديد ممتلكات عامة أو خاصة، وتهديد حياة الأفراد سواء مواطنين أو مارة أو أفراد قوات الأمن .أما التجمع السلمى أو التظاهر فهو تجمع 5 أفراد أو أكثر للتعبير عن رأيهم فى إعلان موقف أو معارضة سياسية أو غيرها من الأهداف التى تنطلق من الحق فى التعبير عن الرأى والاعتقاد .
وهنا الفرق كبير فى تعامل أجهزة الأمن مع تجمهر أو تظاهر سلمى . مع التجمهر يمكن استخدام القوة فى حدها الأدنى بوسائل غير مميتة ( استخدام خراطيم المياه ، العصى الخشبية ، قنابل مسيلة للدموع ، الرصاص المطاطى) ، أما مع التظاهر السلمى فلا يجوز استخدام القوة على الإطلاق بل ويعد استخدام القوة من قبل أفراد الأمن جريمة جنائية معاقبا عليها، لذلك ناقشت الأمم المتحدة هذا الموضوع فى مؤتمر الأمم المتحدة الثانى لمنع الجريمة عام 1990 فى هافانا بكوبا.
الذى وضع المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين .إذ نصت المادة 9 على أن" على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عدم استخدام الأسلحة النارية ضد الأشخاص إلا فى حالة الدفاع الشرعى عن النفس ، أو الدفاع عن الآخرين حال تهديد وشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوى على تهديد خطير للحياة....."، وحتى فى حالة استخدام الأسلحة النارية فى مطاردة متهم شديد الخطورة أو شخص يقاوم السلطات فهناك مبادئ أساسية، مثل أن يكون استخدام السلاح هو الوسيلة الوحيدة، كما أنه يجب أن يكون وفقاً لقاعدة التناسب ، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون الرد على قذف قوات الشرطة بالحجارة إطلاق الرصاص، بل إن الكثير من النظم الشرطية فى العالم الآن لا تجعل الشرطة المكلفة بفض التجمعات السلمية مسلحة بأسلحة نارية، وإنما تكون دائما عصى خشبية أو جلدا ودرعا فى أيديهم تحميهم فقط لضمان عدم استخدام سلاح نارى حال تعرضهم لاستفزاز من الجمهور.
وأخيراً ، فإن الحق فى التظاهر كما أكدت المحكمة الدستورية فى مصر أو محكمة القضاء الإدارى فى حكمها الصادر فى الدعوى 7740 لسنه 57 قضائية فى 4/2/2003 ، " انه أحد فروع حرية الرأى والتعبير الجماعى الذى هو حق أصيل للمواطنين لا يجوز للسلطة تقييد هذا الحق بقيود تشريعية أو إدارية أو تعصف بهذا الحق" .ولاشك فى أن التهديد باستخدام السلاح النارى هو تقييد لهذا الحق من حقوق الإنسان ، الذى يتوازن مع حق السلطة العامة فى اتخاذ سياسات أو قرارات يقابلها حق الاعتراض والاحتجاج والتجمع سليماً .
وتبقى كلمة أخيرة "إطلاق الرصاص لا يمكن اعتباره بمثابة عمل مشروع أو صلاحية للشرطة لفض التجمعات السلمية، وإنما هو جريمة يعاقب عليها من ارتكبها ومن أمر بها " ، وهنا يصبح السؤال "على من يطلق السادة النواب الرصاص"؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة