كلما قرأت اسم الدكتور الطاهر مكى، أضبط نفسى على مخزون من الحب والتقدير والاحترام لهذا الرجل العلامة فى مجال الدراسات الأدبية بصفة عامة والأندلسية بصفة خاصة، وفى الأيام الأخيرة كان موعدنا معه فى مناسبتين، الأولى مقاله الذى خص به اليوم السابع فى الملف الذى أعدته الصحيفة عن سيد قطب، والثانية خاصة بحواره الجميل فى الزميلة المصرى اليوم، والذى أجراه الصديق يوسف العومي.
أتاح مقاله لليوم السابع عن سيد قطب فرصة أن أحدثه لأذكر له بعضا من أفضاله على بوصفى أحد تلاميذه، وهم بالآلاف قياسا على بدء تدريسه فى كلية دار العلوم جامعة القاهرة منذ أكثر ما يزيد عن نصف قرن.
فى مدرج الكلية كنا نجلس نحن طلاب الفرقة الثالثة ثم الرابعة من كلية دار العلوم نستمع إلى شرحه فى دراسات عن تاريخ الأدب الأندلسى، ونصوص أدبية حديثة فى الشعر والقصة القصيرة. كان المدرج يزيد عن الألف طالب، كلهم يستمعون إلى هذا الرجل الذى يقول كلاما مختلفا، يتحدث عن الأدب ومن خلاله يعطى إسقاطاته عن الأوضاع السياسية، يشرح حضارة الأندلس وما أعطته من أدب، فتنخلع قلوبنا من شدة التأثر بهذه الحضارة التى شيد مجدها عرب، وهدمه عرب أيضا، ولا أنسى له عبارة سمعتها منه وهو يزودنا بشرحه :" لم يدخل الإسلام بلدا وخرج منها غير بلاد الأندلس"، كان يقولها فى سياق نفهم منه مثلا رفضه للسلام مع إسرائيل دون أن يقول ذلك صراحة فى محاضراته، لكن كان يكفينا أن نفهم مقاصده حين يحدثنا مثلا فى محاضرة عن "القصيدة التى فجرت ثورة " أثناء دولة الأندلس، وحين يشرح كيف كان ملوك الطوائف يتسارعون لوضع نهاية للأندلس وفى أكثر من محاضرة كنا نتسابق للحضور من أجل الاستماع إلى كلامه العزب عن "حفص" العاشقة الأندلسية التى جهرت بحبها، وبعد قتل حبيبها غادرت الأندلس إلى المغرب، وظلت هناك حتى ماتت.
قلت للدكتور طاهر مكى وأنا أحدثه بعد مقاله عن سيد قطب، إن أول موضوع صحفى كتبته فى حياتى، كان حوارا معه وأنا فى السنة الثالثة من الدراسة الجامعية، وتم نشره فى صحيفة الخليج، ويوم إجراء الحوار قال لى مداعبا:"أسئلتك يابنى صعبة، لكنها تحفزنى للإجابة"، وبعد نشر الحوار ظللت على البعد كل هذه السنوات، وحين أعدت تعريفى بنفسى له، قال :"أنت بحكم أنك كنت طالبا فى دار العلوم فلك تقديرا إضافيا عندى وجواز مرور إلى ما تطلبه منى"، أطال الله فى عمر أستاذى الجليل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة