وليد طوغان

الذى حدث للمصريين

السبت، 24 أبريل 2010 08:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد الثورة الفرنسية، كتب ادموند بيرك كتابه عن الدوجماتيك، فأحدث ضجة فى أوروبا، وكان عاملاً مهماً من العوامل التى دفعت المجتمع الفرنسى للبحث فى إعادة الٍطبقة الوسطى.

قال بيرك فى كتابه، إن الثوار احتكروا الحقيقة، وهو ما اصطلح عليه فيما بعد بـ"الدوجما"، احتكار الحقيقة من طبقة الثوار الذين خرجوا من البارات والأزقة فى فرنسا، لم تؤهل المجتمع للإبقاء على الطبقة المتوسطة، مع أنها كانت رمانة الميزان فى أوروبا والعالم.

طالت فترة الاجتهاد لإعادة الطبقة الوسطى فى فرنسا، بعدما رسخ الثوار مبادىء بدا معها أن أبناء هذه الطبقة هم الذين ساعدوا طبقة النبلاء فى الاستحواذ على مقدرات الشعب وحرمانه من حقوقه.

الأزمة التى تخطاها المجتمع الفرنسى بعد سنوات طويلة لم تكن اقتصادية، بقدر ما كانت ثورة اجتماعية.

اختفاء الطبقة الوسطى غالباً أزمة التغيرات الاجتماعية، وهى التى عانى من غيابها المجتمع المصرى بعد ثورة يوليو ومازال.

فى كتابه "مصر والمصريين فى عصر مبارك" على سبيل المثال، قدم د.جلال أمين أسباباً اقتصادية فقط لتغيرات المجتمع المصرى، مع إن هذا ليس صحيحاً.

وحاول د.جلال البرهنة على أن حكم الرئيس مبارك الذى بدأ فى الثمانينات، هو المسئول عن شيوع ما سمى بثقافة الخليج فى السبعينات، وأن حكم الرئيس السادات الذى بدأ فى السبعينات، هو المسئول عن هزيمة 67 نهاية الستينات.

يرى د.جلال على سبيل المثال أيضاً، أن "تدخل" السادات بقيادة حرب أكتوبر هو الذى أوقفنا عن التقدم، فانصعنا للتفاوض مع العدو الإسرائيلى الذى هزمه الرئيس عبد الناصر عام فى أكتوبر 73، رغم موته فى سبتمبر 1970!!

كما لم تكن هناك حقائق مؤكدة، والتحليلات اجتماعية محايدة قبل مرور مائتى عام على قيام ثورة فرنسا، وهو ما تكرر مع قيام الثورة البلشفية فى روسيا، وبعد الحرب الأهلية قبل قيام اتحاد الولايات الأمريكية، ثم ظهر أيضاً مع التغيرات الاجتماعية التى صاحبت حرب ملوك الطوائف الأسبان قبل استعادة أهل البلاد أراضيهم من الاحتلال العربى.

الذى أصاب المصريين بعد ثورة يوليو لم يكن اقتصادياً، بقدر ما كان خللاً اجتماعياً، الخلل الاجتماعى هو الذى انعكس على السياسة وعلى الاقتصاد، فالمجتمع الذى مر بأربعة نظم سياسية خلال أقل من 50 عاماً، بدأت بالاشتراكية، وانتهت بالسوق المفتوحة فى عهد الرئيس مبارك، كان ظهور "النتؤات" الاجتماعية فيه أمراً ضرورياً.

فثورة يوليو مثلاً هى التى فتحت باب التعليم المجانى للكل فى الخمسينات، ما لم يؤدِ فقط إلى دخول طبقات أخرى لتلحق بالعربة الأخيرة من قطار المتوسطة، إنما أدى إلى تقلص الطبقة المتوسطة رويداً رويداً حتى بلغت الحالة ذروتها نهاية التسعينات، فتكدس الآلاف من خريجى كليات الحقوق والطب والهندسة على المقاهى وأرصفة وسط البلد بدءاً من نهايات السبعينات.

هزيمة 1967 كانت عاملاً مؤثراً هى الأخرى، فهى المسئولة عن هجرة خريجى الجامعات بحثاً عن الرزق والأمان فى دول الخليج، وهم الذين عادوا بعد الاحتلال العراقى للكويت بجيل جديد تربى بلا انتماء، وبلا رغبات إلا جمع المال، والبحث عن فرص للعودة إلى الخليج مرة أخرى بعد هدوء الأحوال هناك.

الملايين الذين عادوا بأبنائهم من الخليج فى التسعينات، هم من ساهمت تحويلاتهم البنكية العشرين منذ السبعينات فى ظهور مدن جديدة مثل مدينة نصر، والمهندسين وفيصل، سكنها أبناء العائدون من الخليج، بمزيج من الشعور بعدم الانتماء واستمرار البحث عن هوية، وبرغبة دائمة فى تحقير مجتمعهم، والحط من صورته مقارنة بما نشأوا فيه من دول، وهو ما أطلق عليه الاجتماعيون مصطلح "ثقافة الخليج".

بداية من الثمانينات – مثلاً - ظهرت المقارنات بين المتقدمين للزواج على أساس مبلغ المهر، ومكان الشقة وماركة السيارة.

كانت "ثقافة الخليج" قد تحكمت فى طبقة جديدة ظهرت، فغيرت كل شىء، للحد الذى جاء فيه أستاذ الجامعة بالمرتبة الثانية، مقارنة بصاحب "السوبر ماركت"، نظراً للدخل الشهرى!

كانت أزمة اجتماعية، انعكست على السياسة، ولم يلحظ المجتمع تفاصيلها إلا فى التسعينات، فى الوقت الذى كانت ثقافة "الدين الشكلى" أو "إسلام الطقوس" قد سيطرت على المصريين إلى جانب "ثقافة" الجيل الأول من أبناء العائدين من الخليج.

مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة