المجتمع الذى يخاف من مقطع فى رواية هو مجتمع ضعيف، ولا يستحق أن يذكره أحد على خارطة الوعى والتنوير والعطاء الإنسانى.
فى اليومين الماضيين رفع بعض المحامين دعوى قضائية ضد الهيئة العامة لقصور الثقافة، والكاتب الروائى الكبير جمال الغيطانى رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، بسبب إعادة طبع رواية " ألف ليلة وليلة " بحجة أنها تخدش الحياء.
التصرف يحمل من الغرابة بما فيه الكفاية، بدءا من أنه انعكاس لفهم سطحى للدين، الذى يؤدى إلى خوف لا مبرر له، وإذا كانت ألف ليلة وليلة تراث إنسانى تم ترجمته إلى لغات عالمية عديدة فى مجتمعات أخرى، فإننا لم نسمع أنها ساهمت فى انحلال أخلاقى فى هذه المجتمعات، ولم نسمع أن القائمين على ترجمتها فى هذه المجتمعات، تعاملوا معها بأسلوب الخيار والفاقوس، هم أخذوها كلها واعتبروها تراثا إنسانيا كما هو، من يريد قراءته فليقرأه، ومن لا يريد فليبتعد.
منذ سنوات استيقظ الرأى العام على معركة حول رواية "وليمة لأعشاب البحر "للروائى السورى حيدر حيدر، وساهمت الضجة التى قادها حزب العمل " المجمد" ضد الرواية فى شهرتها على نطاق واسع، وأخرجها من الرواج المحدود جدا إلى الشهرة، التى لم تتوفى لغيرها من أفضل الروايات، وبعد هذه السنوات لا يتذكرها أحد، وبالتالى لا يستقيم الحديث حول أثرها السلبى على المجتمع، وكل ما حصدناه وقتها إساءة بالغة لمشهدنا الحضارى أمام العالم وفى القلب منه العالم الإسلامى نفسه، وبدا أن مصر تضيق ذرعا بالإبداع رغم أنها بلد حاضن له، وأن الغث منه يكون مصيره فى النهاية سلة المهملات.
وفى تعليقه على ما يثار الآن حول "ألف ليلة وليلة" قال الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، إن الرواية قام بتحقيقها الشيخ قطة العدوى وهو شيخ أزهرى متفتح ومستنير، وأنه سبق طبعها فى مؤسسة حكومية عام 1998 ورفع بعض المحامين دعوى ضدها، لكن المحكمة حكمت بعدم مصادرتها لأنها تراث إنسانى.
إشارة مجاهد إلى أن الرواية قام بتحقيقها الشيخ قطة العدوى، وهو شيخ أزهرى متفتح ومستنير، تدل على تقدم ثقافة المجتمع التى كانت سائدة وقتئذ،فهل افتقدنا هذا التقدم وتلك الاستنارة ؟
سبق ل "ألف ليلة وليلة " طبعها، وتقديمها دراميا فى مسلسلات إذاعية لسنوات طويلة فى شهر رمضان، ولا يفارقنى أبدا أننى كنت أنتظرها بعد الإفطار بالرغم من صغر سنى، وكانت كل الأسر المصرية تفعل ذلك، ويترقب الكل ختامها بصوت الرائعة زوزو نبيل وهى تقول :" وهنا أدركت شهر زاد الصباح، وسكتت عن الكلام المباح " .
لم تكن ألف ليلة وليلة مسئولة عن أى انحلال أخلاقى أصاب المجتمع، ولو كان حدث ذلك فالعيب ليس فيها، وإنما فى المجتمع الذى أصابه الضعف بالدرجة التى تقلب حاله رواية مضى عليها مئات السنين .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة