إنها مسألة فاسدة ياصديقى من الرأس وحتى الذيل.. نتحدث عن التغيير ونتمناه ونطلبه وندعوا الله لتحقيقه، نتحدث عن الإصلاح والتطوير والتقدم ولكننا نسقط بسرعة فى بئر اللهو.. وهل هناك لهو أكثر مما يحدث فى البرلمان وأكثر من الفكرة القائلة بأن مصر دولة برلمانية.. إننا نهدر ملايين الجنيهات شهريا على مجموعة من العرائس المتحركة نطلق عليهم مجازا نواب، وتنتفض البلد وترتبك وقت انتخابات البرلمان وكأن السادة النواب قادرون على اتخاذ قرار أو قول "لا" فى وجه من يأمرونهم بقول "نعم"..
إننا نعيش معهم فى تمثيلية طويلة اسمها الانتخابات والنواب وطلبات الإحاطة والأسئلة البرلمانية دون أن ندرك أن المشهد الأخير من هذا المسلسل فى صالح سيادة النائب فقط وتحديدا فى صالح جيوبه.. أنا أعرف نوابا لا يعرفون الفرق بين الألف وكوز الدرة وأعرف نوابا على استعداد لبيع أى شئ من أجل أن يحصلوا على كل شىء.. وأنتم تعرفون نوابا قتلة ومزورين وحشاشين ولصوص أراضى وكذابين ومنافقين..
ربما يكون الكلام الذى ستقرأه فى السطور القادمة على هوى الحكومة، وربما يخيل لك أنه مؤامرة للنيل من أحد تيارات المعارضة فى البلد، ولكننى متأكد تماما أنك ستوافقنى الرأى خاصة إذا كنت ممن يتابعون ما يحدث فى الشارع، ومن المؤمنين أن دفن الرأس فى الأوهام لا يصنع أى تقدم.. اقرأ ونحى عواطفك جانبا، ولا تترك للشعارات الفرصة لابتزاز عواطفك..
أجمل مافى الأمر الذى نتحدث عنه هنا.. هو وجود حقيقة ليست فى حاجة إلى مراجعة أو نقاش..الناس فى مصر تعلم يقينا أن البرلمان الموقر بمبناه ورئيسه وأعضائه، المعارض منهم والمستقل والنائم فى حضن الحكومة، أشبه "بخيال مآتة" بس على كبير شوية.
هكذا وللمرة الأولى فى مصر يتفق الشعب مع الحكومة فى وصف البرلمان المصرى، ويبدو أن حالة من الرضا قد سيطرت على الطرفين بخصوص هذا الاتفاق، الذى أصبح المواطن يرى أعضاء مجلس الشعب من خلاله مجرد كارت واسطة لتعيين ابنه، أو الحصول على توصية حكومية من أى نوع حتى ولو كانت رقم لوحات مميزة للسيارة، بينما ترى الحكومة الأعضاء الموقرين عبر هذا الاتفاق مجرد عرائس ديكور لاستكمال الشكل العام للدولة التى كان من المفترض أن تكون ديمقراطية.
الغريب فى الأمر أن الأعضاء أنفسهم لم يتوصلوا للحقيقة التى اجتمع عليها الشعب والحكومة، وخاصة السادة النواب الموقرين.. المستقل منهم والحزبى والإخوانى، بعضهم أوهم نفسه بوجود دور رقابى حقيقى وأعجبته صوره فى الصحف وعلى الفضائيات التى تبحث عما يشغل هواءها حتى ولو كانت قصة قطة بخمسة أرجل.
المهم ينطلق سيادة النائب ويصنع من الاستجوابات والأسئلة ما يستطيع، بغض النظر عن جدية الأمر وحقيقة المعلومة، متجاهلا حالة الاستهزاء والتراخى والتفاهة التى تقابل بها الحكومة ومسئوليها حمرة وجه سيادة النائب وهو يصرخ : (ياريس أنا عندى الأوراق كاملة).
فلا يجد سوى ابتسامة سرور الساخرة وكأنها تقول: (ياشيخ اتلهى واقعد مكانك).
لعبة الاستجوابات أصبحت مجالا للمنافسة بين نواب المعارضة، لدرجة أن بعضهم اتهم الآخر بسرقة استجواباته وأسئلته، وفى وسط هذا الصراع غفل السادة النواب العظام عن دورهم الحقيقى، فمرت قوانين الطوارئ، والمعاشات، وتعديلات الدستور وغيرها من القوانين التى يكرهها الشعب، وكان كل رد السادة النواب أن اكتفى بعضهم باعتصام لعدة ساعات، أو رفع لوحة مكتوب عليها كلام مراهقين لمدة دقائق، ثم العودة لممارسة الحياة داخل المجلس بشكل طبيعى، ينحنى أمام الوزير ليحصل على توقيع، ويتودد لأحمد عز كى يتقى شره، ويقتطع أخبارا من الصفحات الأولى للصحف ليصنع بها استجوابات تنقله لشاشة الفضائيات بغض النظر عن النتيجة، ويحصل لنفسه وأحيانا لأهل دائرته إن كان ينوى معاودة الترشيح للانتخابات القادمة على مايشاء من التسهيلات حتى ولو كانت على حساب القانون والوطن، ثم فى آخر الشهر يحصل على مرتب يمكنه إعاشة 10 أسر كاملة رغم أنه يتفاخر بأن عضويته البرلمانية عمل تطوعى.
فتش فى صفحات الحوادث ودفاتر تقييم الأهالى لنواب الدوائر الخاصة بهم، ستجد من قصص التربح غير المشروع واستغلال نفوذ ووظيفة وإهدار مال عام، ما يمكنك أن تدين به نواب المعارضة قبل نواب الحكومة..ولكن للأسف يمكنك أن تلتمس العذر لنواب الحكومة لأنهم أعلنوا موقفهم مبكرا بالانضمام للطرف الفاسد، بينما الآخرون نصبوا أنفسهم أبطالا، وقادة لنضال لم ير أحد له أى ثمرة حتى ولو كانت فى حجم الدبوس، أو تكاد تكون غير مرئية أصلا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة