مدحت قلادة

الحزب الوطنى الأوتوقراطى والفرز على الهوية الدينية

الجمعة، 30 أبريل 2010 07:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ بداية انقلاب يوليوعام 1952، فضل النظام أهل الثقة على أهل الخبرة، ومنذ ذلك الحين اعتبرت مصر ومن عليها ملكا لأهل الثقة، فعمل أهل الثقة على توريث أبنائهم لوظيفتهم، مما ساعد على تأخر وتخلف مصر فى كل مناحى الحياة.

وفى فترة السبعينات حاول النظام الساداتى تجميل المشهد السياسى، وتقديم صورة مغايرة لصورة الديكتاتور العادل والحاكم الأوحد، فأعلن عن شكل جديد للنظام يقام على التعددية، وأقام بالفعل حزبا سياسيا، مستدعيا اسمه من حزب الزعيم مصطفى كامل، وأطلق عليه الحزب الوطنى، لكن للأسف الشديد لم يكن هذا الحزب بداية لنظام ديمقراطى يقوم على الرأى والرأى الآخر، يجمع تحت لوائه جميع الأطياف السياسية والثقافية والعرقية والدينية، بل قام بجمع من تبقى من أهل الثقة على من استجد من أهل الثقة، ودفع بهم إلى المراكز القيادية فى الحزب وفى الحكومة، متجاهلا البعض الذين أسماهم أقلية عرقية وأقلية دينية، وأخذ منهم البعض فى بعض المناصب لتجميل صورته الديكتاتورية الأوتوقراطية.

والمؤسف فى الأمر أننا مازلنا نعانى من هذه الأفكار الأوتوقراطية حتى اليوم، حيث لا يتم اختيار أصحاب الديانات الأخرى فى مناصب قيادية وحساسة، وقد بح صوت الشرفاء فى هذا الوطن، سواء أكانوا من المسلمين أو الأقباط من المطالبة بتولى الأقباط مراكز قيادية، والاكتفاء بسياسة الفرز على الهوية الدينية.

وللأسف مازال نظامنا الأوتوقراطى يتجاهل هذه النداءات حتى تفجرت قضية د.عصام عبدالله فريد إسكندر، أستاذ الفلسفة المساعد فى كلية الآداب بجامعة عين شمس التى أظهرت الوجه القبيح للفكر الأوتوقراطى فى النظام وفى الجامعة، حيث تم عرقلته كالعادة من الوصول إلى منصب رئاسة القسم، وليس رئاسة الجامعة أو عمادة الكلية، وهو ما دفع بالكاتب الصحفى الأستاذ علاء عُريبى لكى يتساءل مستهجناً أسلوب الحزب الأوتوقراطى فى حرمانه للأقباط من شغل المراكز الحساسة لاعتبارات دينية، حيث كتب الأستاذ علاء عُريبى ابن مصر البار الأصيل فى جريدة الوفد المصرية دفاعاً عن الدكتور عصام، فاضحاً الحزب الوطنى الأوتوقراطى قائلا: "ما مشكلة الحزب الوطنى مع تولى الأقباط بعض المناصب القيادية؟، ولماذا لم يفتح هذا الملف بشكل جاد لمناقشته؟، ما الذى يضير الحزب الوطنى وحكومته عند تعيين أحد المصريين الأقباط فى منصب رفيع وحساس؟، ولماذا يصر قيادات الحزب الوطنى وحكوماته المتعاقبة على تجاهل المصريين الأقباط عند التفكير فى اختيار شخصيات لرئاسة الجامعات المصرية؟، ولماذا لم نر مصريا قبطيا واحدا فى منصب عميد كلية أو رئيس جامعة؟

الذى يعود إلى تاريخ الجامعة المصرية ويستعرض الأسماء التى تولت رئاسة الجامعات وعمادة الكليات والمعاهد، سيكتشف أن جميعها خلت من أسماء مصرية قبطية، فمنذ أن قامت الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل، رحمة الله عليها، بالتبرع لإنشاء جامعة القاهرة، وقد مر على هذه الواقعة أكثر من مائة عام، لم يعين فى رئاسة هذه الجامعة أحد الأقباط، ولم يتول قبطى منصب العمادة، لماذا؟، هل لأن هذه الجامعات والكليات لا يوجد بها أساتذة بالقدر المطلوب؟، هل لأن الأساتذة الأقباط لا يصلحون من حيث الثقافة والخبرة والقدرة كأشخاص لتولى هذه المناصب؟، هل لأن المتواجد منهم بالكليات غير مؤهلين؟، ليس من المعقول على مدار النصف القرن الماضى لم نتعثر ولو بالمصادفة فى أحد الأساتذة الأقباط النابهين الذين يصلحون لأحد هذه المناصب، وليس من الطبيعى أن تمر كل هذه السنوات دون أن يعين أحدهم، ما مبررات الحزب الوطنى لهذا الغياب؟، هل لأن بعض قيادات الحزب والحكومة ضد تولى الأقباط بعض المناصب القيادية فى الجامعات؟، هل لأنهم يأخذون بعدم ولاية القبطى على المسلم فى الجامعات؟، ما الفرق بين فكر قيادات الحزب الوطنى وفكر ما أسموها بالمحظورة؟، ما الفرق بين فكر الحكومة وفكر الجماعات السلفية المتطرفة؟، أعضاء هذه الجماعات، ( كانت المحظورة أو المتطرفة)، يرفضون تعيين الأقباط فى مناصب قيادية بسبب تبنيهم خطابا دينيا يميز بين المواطنين ويعلى من شأن المسلم مدنيا عن القبطى واليهودى، وأعضاء الحزب الوطنى والحكومة يفعلون الشىء نفسه، هل لتبنيهم الخطاب الدينى المتشدد نفسه؟.

غير خفى عن أحد أن هذا الملف أصبح شائكا جدا، لأن إهماله وتعمد عدم بحثه وتراكم السنوات فوقه يكرس للخطابات المتشددة التى يركن إليها البعض، والغريب فى هذا الملف أن بعض المتشدقين من النخبة بمفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان ينتهى بهم الحال عند الخطابات الحنجورية، وعندما يجلسون فى مقام الاختبار يتناسون الشعارات التى يرفعونها، استدراك: مجلس الحكماء الذى تم تشكيله بجامعة عين شمس، ضم 21 أستاذا لهم كل الحب والتقدير والاحترام، لكن جميعهم من المسلمين، ومعظمهم أعضاء بالحزب الوطنى".

ومازال الحزب الحاكم يحكم مصر بمفاهيم متخلفة تعود لعصور سحيقة وما حدث للدكتور عصام عبد الله حدث لكثيرين، لكنهم آثروا السلامة وهربوا بجلودهم فلمعوا فى سماء دول تقدس العلم، ومنهم من استحق لقب "سير"، ومنهم من شكره الرئيس أوباما شخصيا، ومنهم من لمعوا فى مدينة الطب بكليفلاند بأمريكا، ومنهم ومن كرمتهم جامعاتهم بعمل صورة لهم بالحجم الطبيعى فى مدخل الجامعة مثل الدكتور عزيز سوريال فى جامعة....

والآن متى ينتهى هذا التعصب البغيض والتخلف المقيت ضد الآخر بمصر، ومتى تصبح الكفاءة الحقيقة هى المعيار الحقيقى للوظائف القيادية، ومتى تنتهى شللية "أهل الثقة" فى مصر... ومتى يستطيع الدكتور القبطى من نيل حقه الطبيعى والقانونى فى رئاسة قسم الفلسفة بآداب عين شمس.

يستطيع الدكتور عصام نيل حقه الطبيعى حينما ينتهى التدليس والتعصب ويختفى للأبد الشعار البائد أهل الثقة وأهل الخبرة الذى آخر مصر لعصور مضت، يستطيع الدكتور عصام نيل حقه إذا قدم النائب العام القضية للتحقيق فى واقعة التزوير ضد الدكتور القبطي، يستطيع الدكتور القبطى نيل حقه إذا انضم الشرفاء للقافلة، يستطيع الدكتور نيل حقه إذا صمد ضد التخلف والتطرف المؤدلج عقائديا، يستطيع الدكتور عصام نيل حقه إذا انضم شرفاء من جامعة عين شمس لكشف الحقيقة، أخيرا تستطيع مصر النهوض من تخلفها إذا انتهى عصر أهل الثقة وأهل الخبرة، وإذا انتهى الفرز على الهوية الدينية.

تحية لكل مصرى يعمل لفضح أعضاء الحزب الوطنى الأوتوقراطى، وتآمرهم ضد الدكتور القبطى، تحية لكل كاتب شريف يقف مع العدل والمساواة.

تحية للدكتور عصام عبد الله لدفاعه عن حقه الطبيعى، تحية للأستاذ علاء عُريبى المسلم المصرى الأصيل الذى أصبح بقلمه صديقا للحق وانطبق عليه المثل القائل: "الأصدقاء الحقيقيون يصعب إيجادهم، يصعب تركه، ويستحيل نسيانهم".
"أن تكون فرداً فى جماعة الأسود خيراً لك من أن تكون قائداً للنعام".
"إن جاءك الطعن من الخلف فاعلم أنك فى المقدمة".
تحية للدكتور حسن حنفى الذى عدل عن حكمه ورفض الاشتراك فى المؤامرة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة