بلمح البصر تحولت الضحية إلى قاتل، وتصرفت بطريقة وحشية وهمجية لا تدخل فى حسابات القيم والمبادئ الإنسانية، فما قام به أهالى بلدة كترمايا اللبنانية من تمثيل وقتل للشاب المصرى المتهم بقتل أربعة أفراد من عائلة واحدة، أصبح أكثر خطورة من الجريمة الأولى، فالشاب – وفى حالة تأكيد قيامه بالجريمة - تصرف بشكل فردى وغرائزى خرج فيها عن المفاهيم الإنسانية، لكن جريمة قتله أتت من قبل مجموعة كبيرة من الأهالى، والتى تصرفت بطريقة وحشية لا نراها إلا فى الأفلام، أو فى قصص القرون الوسطى، ولم تدل مقاطع الفيديو التى اكتسحت الشبكة العنكبوتية على معارض واحد لما يجرى، مما يدل على حالة اجتماعية خطيرة جدا واختلال فى الميزان الأخلاقى.
ربما ساهم بما جرى الفترة التى عاشها أهالى البلدة خلال الحرب الأهلية، حيث خاض معظم شبابها جانبا كبيرا من المعارك مما جعل القتل أمرا عاديا جدا بالنسبة لهم، مع الإشارة هنا إلى أن السلاح لا يزال منتشرا بشكل كبير بين شباب البلدة، وقد تم استعماله كثيرا فى الفترة الماضية بل وحتى التهديد به، خصوصا فى فترة التأزيم مع القرى المحيطة والتى تحوى عناصر من حزب الله.
النائب محمد الحجار أخطأ بدوره حين دعا إلى تطبيق القانون وإعدام القاتل فى مكان الجريمة، مما أشعل النفوس أكثر، وتم تفسير كلامه بالأخذ بالثأر وتطبيق العدالة خارج القانون، وربما أراد النائب أن يعيد شعبيته المتراجعة فى الفترة الأخيرة بسبب بعض المواقف المتعلقة بمشاريع منطقته، وتردد معلومات حول إقصائه من لائحة الحزب التقدمى الاشتراكى للترشح للانتخابات النيابية المقبلة، فلو كان هذا الكلام صحيحا، فهل سيهنأ له النوم أو يغمض له جفن بسبب وقوفه وراء هذه المجزرة واستغلاله لعواطف أهالى القتلى الأربعة؟
ماذا كان سيكون رد اللبنانيين وأهالى بلدة كترمايا بشكل خاص لو قام بعض المصريين بنفس ما قاموا به بشاب لبنانى فى القاهرة، ألم نكن سنشاهد حالات مشابهة لما حصل مع العمال السوريين فى لبنان من حالات قتل وتعذيب، عقب الخروج السورى من لبنان وتوالى الاغتيالات السياسية، لكن الحال فى القاهرة غير، بل على العكس، فلم يتعرض أى لبنانى لأى نوع من المضايقات بل كان أول المستنكرين هم اللبنانيون أنفسهم، واتفقوا مع زملائهم وأصحابهم المصريين على الهمجية فى قتل الشاب بهذه الطريقة، وإن كان يستحق العقاب بالطرق القانونية لو ثبتت إدانته بجريمة قتل الرجل وزوجته وحفيدتيه.
هذا ما حصل فى لبنان بلد الحرية والمساواة والقانون والعدالة، لكن يبدو أن كل هذه المفاهيم أصبحت تطبق بشكل نسبى..واذا لم يتم التصدى لهذه الظاهرة الهمجية بشكل جذرى فالآتى أعظم.
* كاتب لبنانى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة