د. علاء عوض

نواب الرصاص.. وأنفلونزا الخنازير

الجمعة، 30 أبريل 2010 08:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أستطيع أن أعبر عن مدى الأسى والدهشة التى انتابتنى تجاه ذلك الأسلوب العنيف الذى اتبعته أجهزة الشرطة إزاء بضعة مئات من الشباب الواعد الذى خرج إلى الشارع فى 6 إبريل الماضى يطالب بالديمقراطية والإصلاح الدستورى بشكل سلمى، ذلك الأسى الذى تحول إلى حالة من الغضب بعد مطالبة ثلاثة من نواب مجلس الشعب بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، ووجدتنى أعود بالذاكرة إلى عام مضى، حين ظهرت فى العالم أزمة أنفلونزا الخنازير، حيث أعربت منظمة الصحة العالمية فى تلك الآونة عن مخاوفها الشديدة من اتحاد هذا الفيروس الجديد بفيروس أنفلونزا الطيور.

فمن المعروف أن فيروس أنفلونزا الخنازير، رغم كونه ضعيفا ولا يؤدى إلى معدل وفيات مقلق، هو فيروس سريع الانتشار بين البشر بشكل يدعو للانتباه. وعلى الجانب الآخر، فإن فيروس أنفلونزا الطيور أشد ضراوة ويؤدى إلى حالات وفيات بشرية عديدة، ولكنه لا يمتلك المقدرة على الانتشار الواسع ولا ينتقل إلى الإنسان إلا من خلال مخالطة الطيور فقط. إن قلق الصحة العالمية كان مبعثه أن اتحاد الفيروسين من الممكن أن يخلق فيروسا جديدا شديد الضراوة، ويمتلك القدرة على الانتشار فى الوقت نفسه، مما يشكل أزمة صحية خطيرة.

وحين عدت لمراقبة المشهد السياسى فى الوقت الراهن اكتشفت أنه يوجد لدينا نوعان من ظواهر الاحتجاج، النوع الأول هو الاحتجاج الفئوى والنقابى الذى يقوم به العمال والموظفون وأصحاب المهنة الواحدة، للمطالبة بحقوق محدودة فى إطارهم مثل تحسين الأجور وحوافز الإنتاج وغيرها من المطالبات التى تفتقد الرؤية السياسية الأعم والأشمل التى تبرز ارتباط هذا الظلم الفئوى بالظلم الاجتماعى العام وغياب السياسات وآليات الحكم التى تحقق عدالة اجتماعية حقيقية، وهذا النوع من الاحتجاج لا يسبب إزعاجا كبيرا للنظام الحاكم نتيجة للتوجه المحدود للاحتجاج وغياب المطالبة بالتغيير فيما يتعلق بآليات الحكم والممارسة السياسية، وبالتالى كان من المنطقى أن تتعامل الأجهزة الأمنية مع هذا النوع من الاحتجاج بقدر من اللين وتجنب المواجهات العنيفة. إلا أنه وعلى نحو آخر يتمتع هذا الاحتجاج بمقدرة عالية على الانتشار فى المجتمع، ويتجلى ذلك فى ازدحام رصيفى مجلس الشعب ومجلس الوزراء يوميا بالمجتجين من أكثر من فئة وقطاع مجتمعى.

والنوع الثانى هو الاحتجاجات السياسية التى تطرح تصورا مختلفا، فهى تتعامل مع مؤسسات النظام مباشرة ومع دستوره وقوانينه الحاكمة، وتطالب بتغيير هذه البنية فى مسار نحو الديمقراطية والحريات التى تراها مناسبة لتفعيل الأدوار السياسية المختلفة فى المجتمع وتداول السلطة، وهو أمر يزعج النظام الحاكم الذى يبنى استقراره الظاهرى على إجراءات بوليسية وتشريعات تعسفية لا تسمح لمعارضيه بتواجد مؤثر وفعال، وهذا النوع من الاحتجاج مازال محدود الانتشار فى واقعنا المعاصر رغم تجليه فى أكثر من مناسبة.

ونعود إلى 6 إبريل، فى ذلك اليوم أراد الشباب المطالب بالديمقراطية والتعديلات الدستورية القيام بمسيرة تبدأ من ميدان التحرير وتتوجه إلى مجلس الشعب، وهنا مكمن الخطر، حيث تسنح الفرصة لإمكانية تفاعل بين هذين النوعين من الاحتجاج أمام مجلس الشعب، مما قد يسمح بظهور نوع مختلف من الاحتجاج يربط بين الإصلاح السياسى والعدالة الاجتماعية، بين الديمقراطية ولقمة العيش وهذا قد يشكل خطرا حقيقيا على النظام السياسى الحاكم ويطرح إمكانية غير محسوبة للتوسع والانتشار، إن هذه الرؤية تفسر ذلك العنف غير المبرر أمام شباب مسالم خرج يطالب ببعض حقوقه السياسية المسلوبة، كما يفسر اختلاف تعامل أجهزة الأمن مع العمال والموظفين المعتصمين أمام البرلمان – فى ذلك اليوم تحديدا - فى اتجاه قمعى كما ورد فى شهادة إحدى الموظفات المعتصمات على رصيف مجلس الشعب والتى أدلت بها فى برنامج العاشرة مساء، وبالتأكيد فإن هذه الحالة المذعورة لنظام يخشى تصاعد موجات الاحتجاج فى اتجاهات أكثر جذرية هو الذى دفع هؤلاء النواب لارتكاب حماقة تلك التصريحات الجنونية غير المسبوقة فى مصر – وربما فى أجزاء واسعة من العالم – فى غير أزمنة الاحتلال الأجنبى المسلح.

وفى النهاية أستطيع أن أقول إن حالة "التوحد الاحتجاجى" هى المسار الطبيعى، بل والوحيد للتطور السياسى لقوى المعارضة السياسية فى مصر مهما طال الأمد، فلا يمكن الفصل بين القهر السياسى وبين الفقر والبطالة والمرض، كما أن النضال من أجل الديمقراطية والحريات السياسية لا يمكن أن ينمو ويتطور بمعزل عن النضال من أجل عدالة اجتماعية حقيقية.
* أستاذ الكبد معهد تيودور بلهارس.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة