حنان كمال

يحدث فى العهد البائد

الجمعة، 30 أبريل 2010 08:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تصدق أن التاريخ يعيد نفسه، إنه فقط يحاول، فأنت مثلا تطالب بتغيير الدستور، وربما لا تعلم أن مصر عاشت ثلاثة عشر شهرا كاملة بلا أى دستور، اللهم إلا صلاحيات مطلقة للملك وحكومته، ففى نوفمبر 1934 قامت حكومة محمد توفيق نسيم باشا بإلغاء دستور 1930 استجابة للرفض الشعبى، لكنها فى المقابل لم تحقق الإرادة الشعبية بإعادة دستور 1923، وأحيلت الصلاحيات الدستورية والتشريعية لتتركز كلها فى يد الملك فؤاد وبجانبه السلطة التنفيذية، كان هذا فى العهد البائد، كفانا الله شر العهد البائد.
تصريح واضح وصريح للسير صمويل هور وزير خارجية بريطانيا وقتها بأنه لا عودة لدستور 1923، ولا لدستور 1930، لأن الأول غير صالح للعمل، والثانى غير مرغوب، كان هو القشة التى أشعلت المظاهرات فى بر مصر، تلك المظاهرات التى قوبلت بالرصاص الحى فى صدور المتظاهرين، حيث سقط فى عداد الشهداء كل من: محمد عبد المقصود شبكة، ومحمد محمود النقيب من طنطا، والعامل إسماعيل محمد الخالع، والطالب بكلية الزراعة عبد المجيد مرسى، وعبد الحكم الجراحى أشهر الشهداء، الذى تروى قصة استشهاده أنه وبعد استشهاد زميله عبد المجيد مرسى والذى كان يرفع العلم فى المظاهرة، رفض عبد الحكم أن يسقط علم مصر، فتقدم عبد الحكم ليتسلم العلم من يد رفيقه الشهيد، رغم تهديد الضابط الإنجليزى له بالقتل إذا هو تقدم خطوة واحدة، وقد كان، إذ انطلقت رصاصة حية لتسكن صدر عبد الحكم، كان هذا رصاصا انجليزيا، وكان هذا فى العهد البائد، كفانا الله شر العهد البائد.

ليس كل الشر شرا، فبعد مرور أقل من شهر على استشهاد عبد الحكم ورفاقه لم يجد الملك بدا من الاستجابة لمطالب "الجبهة الوطنية" وهى الجبهة التى تشكلت من تآلف حزبى وشخصيات مستقلة للمطالبة بعودة دستور 1923، وبالفعل أصدر الملك مرسوما ملكيا فى ديسمبر 1935 يقضى بعودة دستور 1923، ووقعه إسماعيل باشا صدقى بنفسه، وهو الرجل ذاته الذى وضع دستور 1930 معطيا صلاحيات واسعة للملك اعترضت عليها الأمة، وهو الرجل نفسه الذى وبعد وفاة الملك فؤاد بعشر سنوات كاملة لا يرى ضررا فى فتح كوبرى عباس على الطلبة المتظاهرين بهدف تفريق المظاهرة بإسقاط المتظاهرين فى النهر.. أؤكد لك أن التاريخ لا يعيد نفسه، إذ يكتفى متظاهرو كفاية و6 أبريل بالتظاهر فى ميدان التحرير وأمام مجلس الشعب ولا يفكرون فى عبور النهر، غير متيحى الفرصة للسادة نواب البرلمان بمطالبة وزارة الداخلية بفتح الكوبرى عليهم.. كان هذا فى العهد البائد، كفانا الله شر العهد البائد.
التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يخايلنا أحيانا فيتبدى حاضرا، يعتقد البعض أن القاهرة هى المدينة التى تتراكم فيها طبقات التاريخ فلا يميت بعضها بعضها، فى مظاهرات عام 1935 ولدت حركة سياسية جديدة أحدثت انقلابا على دور الأحزاب التقليدية والتى كانت قد تحولت بدورها لأحزاب الإقطاعيين وكبار الملاك فبرز دور جديد لحركات مثل مصر الفتاة، والإخوان المسلمين والشيوعيين، فى مظاهرات 1935 تفتح وعى طالب الثانوى جمال عبد الناصر على المسألة الوطنية، وقبل أن يمر عقدان من الزمان كان يقود ثورة الضباط الأحرار فيخلع الملك، ويلغى الأحزاب، ويلغى دستور 1923 أيضا.. التاريخ لا يعيد نفسه، فلا تنتظر عبد الناصر جديدا.
التاريخ لا يعيد نفسه وعلى الرغم من ذلك فالقاهرة الأسبوع الماضى بدت وكأنها القاهرة 35، كانت المظاهرات تطالب بتعديل الدستور، وكان الملك أحمد فؤاد الثانى بحكم المصادفة يزور مملكته القديمة، يقطن فى أحد فنادقها ويستمتع بتمشية يوميا على النيل، وكانت روح عبد الحكم الجراحى تحلق فى سماء المدينة، تذكرنا أن الإصلاح السياسى والديموقراطية والاستجابة لمطالب الشعوب تبدو أحيانا وكأنها كنز فرعونى مدفون يحتاج دم الشهداء، حتى ينفك الرصد. لا يحدث هذا فقط فى العهد البائد.. لكنه ما يحدث دائما فى كل العصور.
كاتبة مصرية مقيمة فى دبى









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة