جلسنا نحن مجموعة من الشباب نتشاور حول ما الذى يجب أن نفعله حتى تسير الانتخابات نزيهة، ومطلبنا بسيط، وهو أن يعطى كل ناخب صوته بحرية كاملة، وكانت أصعب مهامنا فى لجان قريتنا (كوم الأطرون طوخ قليوبية)، هى كيف نقضى على عملية تقفيل اللجان لصالح مرشحى الحزب الوطنى؟، أى تسديد البطاقات الانتخابية للناخبين، وإمعانا فى التمويه يتم ترك بضع بطاقات خالية حتى لا يبدو أن هناك جريمة تم ارتكابها تستحق المحاكمة، وهى قيام قيادات الحزب الوطنى فى القرية بالتصويت نيابة عن الآلاف، كان هذا السلوك متبعا فى كل انتخابات فى كل قرية وحى ومدينة، ويتم بمساندة الأمن، ويعنى التعامل مع الناخبين بوصفهم قطيعا يسير وفق هوى وإرادة من يقوده.
كان تشاورنا فى انتخابات عام 1987، وجاء كإفاقة من شباب يحلم بالتغيير بدءا بوقف التزوير فى الانتخابات، رغم أن النتائج لم تكن تأتى إلا وفقا لما هو مرسوم من الحزب الوطنى، وكان الأمر يصل إلى حد أنه فى اليوم الذى تظهر فيه قائمة مرشحى الحزب الوطنى لمجلس الشعب، تلعلع الزغاريد عند أهل وأنصار المرشح الذى تشمله القائمة، وكأنه أصبح نائبا بالفعل، والحقيقة أن هذا السلوك كان يعكس مدى التسليم بأن هذا المرشح هو الذى سينجح سواء أراد الناخبون أو لا.
انتهى هذا الفصل «نسبيا» فى انتخابات عامى 2000 و2005 بإشراف القضاء على الانتخابات، وأصبح تقفيل اللجان من حكايات التراث نذكرها على سبيل التندر، ويذكرها مرشحو الوطنى وأنصارهم على سبيل التحسر، لكنها تعود الآن بعد إلغاء إشراف القضاة على الانتخابات، ولأن ظاهرة »التقفيل« هى أم الجرائم الانتخابية، أتعجب من الأصوات، خصوصا التى تعلن أنها غير محسوبة على الحكومة، أتعجب من تمسكها بإبعاد القضاء عن الإشراف الكامل على الانتخابات البرلمانية المقبلة، بدعوى أنه غير معمول به فى دول العالم، وبدعوى الحفاظ على هيبة القضاة، وكلما سمعنا مثل هذه الحجج نتأكد أننا مقبلون على عملية تزوير واسعة، وأن هؤلاء السادة الأفاضل غير الحكوميين الذين يتمسكون بإبعاد القضاة عن الانتخابات، يبدو أنهم لا يعيشون فى مصر، ولم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم ليتأكدوا أن محترفى التقفيل انتخبوا لهم، ويعيدنا نحن الذين حاولنا قبل أكثر من 20 عاما مقاومة التقفيل، إلى مقاومته من جديد، بدلا من الحديث مع الناخبين حول برامج سياسية تحقق مصلحة الناخبين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة