استكمل حديثى الذى بدأته أمس عن كوارث الخصخصة، وتحدثت فيه عن مجد بناء شركة النصر للسيارات من واقع مقال كتبه رئيسها السابق عادل جزارين، ويشير فيه إلى كيف أصبحت هذه الشركة عملاقة يعمل فيها 12 ألف عامل، وأصبحت الآن خرابة بفضل سياسة الخصخصة..
رغم كل الصعوبات التى واجهت شركة النصر للسيارات إلا أنها استمرت فى العمل بنجاح، والمعروف أن الشركة قامت فى بدء تأسيسها بالاتفاق مع شركة فيات الإيطالية على المشاركة بالتكنولوجيا وبالتدريب فى المرحلة الأولى، وحسب المهندس سعيد النجار رئيس الشركة من عام 1992 حتى عام 1997 استطاعت الشركة أن تصل بنسبة التصنيع المحلى فى لوريات النقل والأتوبيسات إلى 98%، وفى سيارات الركوب إلى 65%، كما أنتجت سيارة نصر فيات 128 التى حازت على شعبية كبيرة لكفاءتها ومناسبة سعرها إلى طبيعة دخل الطبقة المتوسطة المصرية، والمعروف أنها مثلا وحتى عام 1990 كان سعرها حوالى 55000 جنيه، ومع هذا النوع كان هناك إنتاج سيارات نصر فيات 125 ونصر فيات 131 و132 ودوجان وشاهين، وكل ذلك كان خطوة فى طريق الأمل لصناعة سيارة مصرية خالصة، وهى الخطوة المماثلة للخطوات التى حدثت فى الدول التى بدأت معنا طريق التنمية مثل كوريا الجنوبية والهند.
ويحق للبعض أن يتساءل: "لماذا لم تستطع الشركة الصمود أمام ما حدث فى القطاع لخاص الذى أنشأ مصانع للتجميع نجحت فى إثبات وجودها فى السوق"، وتأتى الإجابة على ذلك من مشهد عام، بدأت معالمه وكما أشرت فى مرات سابقة فى إهمال قطاعات صناعية كانت مصر فى طرقها إلى الريادة فيها، كالنسيج والأدوية والسيارات والأغذية المحفوظة (قها)، وغيرها.
وتم ذلك فى سياق مفهوم عام روجت له الدولة والمستفيدون، يقول إن القطاع العام سبب كل البلاء الاقتصادى ولا سبيل إلا بالتخلص منه لصالح القطاع الخاص، وبدأت أفدح أنواع الممارسات مثل عدم تجديد المصانع، وإغراق الشركات بالديون بواسطة السحب من البنوك، هذا بخلاف ممارسة درجة كبيرة من القيود عليه، وهنا استشهد بحوار وزير الصناعة المهندس محمد عبد الوهاب فى جريدة الشروق أول أمس، ويقول من واقع تواجده فى الوزارة من عام 1984 ولسنوات: "بدأنا توجها جديدا من عام 1987 حتى عام 1992 يقوم على أن القطاع العام الصناعى لا يدخل فى أى مشروع يقبل عليه القطاع الخاص، وبذلك أعطينا القطاع الخاص فرصة كبيرة، والحقيقة أن القطاع العام لم يكن مدللا على الإطلاق، بل على العكس كان مقيدا فى الوقت الذى كان القطاع الخاص لديه مرونة كبيرة فى التصرف والحركة".
فى هذه الحمى من الخصخصة تم دهس الكثير من القلاع الصناعية ومنها شركة النصر للسيارات باتباع وسائل عديدة، منها كما يقول عادل جزارين قيام مكتب خبرة أجنبى بتقطيع أواصل الشركة وتقسيمها إلى أربع شركات فى تخصصات مختلفة، وأصبحت شركة النصر بوصفها الشركة الأم لكل هذه الشركات محملة بالديون التى كانت موجودة قبل أن تكون أربع شركات، وكان ذلك هو الطريق الجهنمى لإظهار الشركة أنها خاسرة ولابد من بيعها، وبدأت سياسة المعاش المبكر للاستغناء عن العمالة، وأصبحت الشركة قوامها من العمال 250 عاملا، وكما يقول عادل جزارين تحولت منطقة وادى حوف إلى أطلال بعد أن كانت مفخرة صناعية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة