د. بليغ حمدى

تدريس العبرية فى المدارس العربية

الإثنين، 10 مايو 2010 07:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تظن- عزيزى القارئ- أن هذا العنوان مجرد فرقعة صحفية، أو من سبيل الموسيقى اللغوية، إنما هو حقيقة مسكوت عنها لما يجرى داخل ديوان وزارة التربية والتعليم، وقضية تطوير مناهج التربية الدينية الإسلامية التى أخذها على عاتقه الدكتور أحمد زكى بدر وتحويلها إلى فضيلة مفتى الجمهورية هى التى فجرت الخبر وعاودته إلى الظهور من جديد.

فجلسة مجلس الوطن الأخيرة- أقصد مجلس الشعب طبعاً- كشفت عن محاولات السفير الإسرائيلى السابق شالوم كوهين للضغط على وزير التعليم السابق أيضاً الدكتور يسرى الجمل، والذى خرج من الوزارة بصورة استفزازية، أو كما يطلق الغرب على مثل هذه الأمور ubnormal، لاعتماد اللغة العبرية كمادة دراسية فى المدارس المصرية الخاصة والحكومية.

ودعم السفير الإسرائيلى وقتها كلامه بأن اعتماد العبرية كمادة دراسية سيؤدى إلى تضييق الفجوة بين وجهتى نظر أطفال الدولتين نحو الآخر، بالإضافة إلى أنه حينما يدرس الطفل المصرى اللغة العبرية ستمحى لديه آثار العداوة والبغضاء نحو نظيره الطفل الإسرائيلى.

وفى السياق نفسه، أشار السيد أحمد جبيلى، رئيس حزب الشعب الديمقراطى، بمناسبة أن مصر تكاد تتحول إلى عزبة صغيرة يتنافس عليها من يشاء ويرغب، عن هذه المحاولات المستمرة من جانب الحكومات الصهيونية والضغوط الأمريكية الإسرائيلية لتدعيم تدريس اللغة العبرية فى مدارسنا، التى لا يجيد أبناؤها اللغة العربية القومية، أو حتى اللغة الإنجليزية، التى أصبحت على لسان كل شعوب العالم، أما نحن فنجيد كلمتين منها هما: thank you وكلمة good luck التى نستخدمهما كثيراً بعد مباريات كرة القدم المحلية الصنع.

ومما لاشك فيه أن هناك مزيدا من المحاولات التى ستستمر كثيراً وطويلاً من جاب الحكومات الأمريكية والإسرائيلية بخصوص تطوير وتعديل المناهج الدينية فى مصر بزعم أنها تنشط وتدعم التطرف والإرهاب والعنف، وأنه لا سبيل عن ضرورة تدريس اللغة العبرية فى مدارسنا التى أصبحت مكاناً رائجاً ـ هذه الآونة ـ للتحرش الجنسى، والشذوذ غير المقبول من جانب بعض المعلمين نحو طلابهم، وهذه السلبيات وأوجه القصور لا تجعلنا نغفل دور الدكتور أحمد زكى بدر فى مواجهة تلك النقائص التى تعترى مدارسنا التى من المفترض أنها تقدم الفضيلة لطلابها قبل المعرفة.

وعلينا أن نقر نجاح الحكومة الإسرائيلية فى إقناع وزارة التعليم العالى المصرية فى تدريس اللغة العبرية فى بعض الجامعات المصرية كخطوة مهمة ورئيسة نحو التطبيع، رغم كافة المظاهرات والاعتصامات التى ننظمها ضد التطبيع مع دولة إسرائيل.

والقضية برمتها لا تقف عند حدود تدريس اللغات المختلفة فهو أمر ضرورى وحتمى للتقدم والرقى كما كنا قبل سابق فى الحضارة العباسية وما شهدته من تقدم وازدهار نتيجة للترجمة وتعرف لغات الشعوب الأخرى. إنما خطورة قضية تدريس اللغة العبرية فى مدارسنا تكمن فى أننا شعب مغرم بالتقليد، ويهوى استقطاب كل ما يتعلق بالآخر فى حياته وممارساته اليومية، رغم تغليفها بطابعنا المصرى ذى النكهة الخاصة.

فمن السهل واليسير أن نتعلم لغة إسرائيل دون أن ننسى دماء شهدائنا وهم يزحفون للرجوع من أرض سناء عقب نكسة 1967، ودون أن تخوننا الذاكرة فى نسيان وسقوط الصور التى تعبر عن مأساة شعب فلسطين المحاصر أبد الدهر، لكن من الخطير أن يصيبنا هوس تعلم اللغة إلى تعلم قيم وعادات وتقاليد تخالف شريعتنا الإسلامية وأعرافنا المصرية العتيقة.

ومسألة ضرورة تدريس اللغة العبرية بمدارسنا البعيدة عن مفاهيم الجودة والاعتماد المدرسى بحجة محاربة الإرهاب والتطرف والعنف أمر مضحك للغاية، وتذكرنى بالطالب الذى كان فاشلاً واعتاد الرسوب وهو صغير ثم أصبح مهندساً ناجحاً، ورغم ذلك نصر أن ننتهز الفرصة لتذكيره بماضيه غير المشرف، فإسرائيل والحكومات التى تدعمها تصر على إقحامنا فى قضايا من شأنها إبعادنا عن عملية التغيير والتطوير التى تطمح مصر إليها، مثل قضايا أخرى جذبت انتباه المجتمع المصرى كالنقاب مثلاً أو إرضاع الكبير أو فتاوى تبرع المسلم لبناء الكنائس.

وبدلاً من نناقش قضايا مصيرية مع إسرائيل كتصدير الغاز الطبيعى، أو اتفاقية الكويز التى لم نلمس صداها الاقتصادى حتى الآن، وجدنا هى ـ إسرائيل ـ تدق مسماراً جديداً بالنعش وتحاول فرض واقعاً جديداً بحجة التطبيع ومواجهة الإرهاب والتطرف مستخدمة فى ذلك قصة الطالب الفاشل الذى صار مهندساً.

وإن كان هذا المطلب الإسرائيلى سيتحول حقيقة يوماً ما، فأنا أعدكم بأن إسرائيل نفسها هى التى ستقوم بطباعة كتب اللغة العبرية، ليس لنقص مطابعنا أو انتهاء حبر المطابع لدينا، إنما لأنهم يعملون ويشتغلون ليل نهار ولا وقت لديهم لمثل الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات وافتراش الأرصفة والطرق مثلنا، لذا فهم يريدون إخراج الكتاب بصورة شيقة جميلة تحض على التعلم وتبعث سروراً لدى الطلاب فيقبلون على التعلم والاستذكار، وهنا المشكلة تقع.

فطالبنا المصرى الذى تبهره أغانى مثل الكينج كونج، وموضات بنطلون الديرتى وقصات الشعر التى تشبه القرد والسنجاب سيطر عن رضا وقبول فى الهرولة نحو دراسة هذا الكتاب ذى العرض السهل اليسر، وذى الطباعة والألوان الجميلة، والورق الفاخر، بخلاف كتبنا التى تعانى من الألوان الباهتة، والورق الردئ المعاد تصنيعه أربع مرات على الأقل، لذا وجب التنبيه على خطورة الأمر، ولعلنا نستفيق.

* اكاديمى مصرى








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة