أرجوك.. استسلم لمشاعرك الطبيعية بعيدا عن أى أفكار أو قناعات وأحكام مسبقة.. وشاهد من جديد صور قتل الشاب المصرى محمد سليم فى قرية كترمايا بجنوب لبنان وسحله والتمثيل بجثته، بعدما تم اتهامه بقتل أربعة من أهل القرية فلم ينتظر الناس إثبات إدانته ولم ينتظروا قصاصا من القضاء وقرروا أن يصبحوا جميعهم فى لحظة هم القضاة والجلادون أيضا.. تأمل هذه الصور وستجد نفسك موجوعا من داخلك.. حزينا وغاضبا ورافضا كل هذا الذى تراه.. وحتى لو لم يكن محمد مسلما أو مصريا.. فأنت كإنسان ستبقى رافضا تماما أن يجرى ذلك كله لأى إنسان مهما كان دينه أو جنسيته أو مهنته أو مكانته أو حتى جريمته..
وبالتالى فالمشكلة ليست أن ندين كلنا ذلك ونرفضه ونشعر حياله بمنتهى الألم والمرارة.. إنما هى ردود فعل الكثيرين بعدما أذيعت صور ولقطات هذه الحادثة الموجعة.. حيث حاول كل من هؤلاء استغلال تلك الحادثة لتحقيق أهدافه هو أو تصويرها وفق حساباته وقناعاته الشخصية أو اتخاذها دليلا على صحة مايؤمن به هو وإثبات خطأ كل من يخالفه فى الرأى أو الهوى.. فكان هناك من قال إن هذه الحادثة دليل على تخاذل الحكومة وضعفها وإلا ما تعرض المصريون فى لبنان لكل هذا الهوان.. ولست ضد انتقاد الحكومة والسخرية منها.. ولكن ما علاقة مصر ولبنان والحكومة بما جرى.. هى حادثة انتقام متوحشة جرت هناك وتتكرر كثيرا هنا فى مصر حين تصدم سيارة أحد أهالى أى قرية فيخرج أهل القرية يقطعون الطريق ويقتلون قائد السيارة دون تحقيق أو محاكمة أو إدانة.
ولم يشرح لنا هؤلاء الغاضبون بصوت عال لماذا كل هذه الغيرة على المصريين حين يلقون الهوان فى أرض بعيدة، بينما لا أحد منهم يثيره أو يحزنه هوان المصريين داخل مصر. لماذا تصوير قتل شاب مسلم فى جنوب لبنانى باعتباره إهانة لمصر كلها، بينما قتل امرأة مصرية تحت جنزير بلدوزر مصرى على أرض مصرية مجرد خبر فى صفحة حوادث وعمود رأى غاضب هنا أو هناك.. وهل اللبنانيون هم فقط المتوحشون أم أننا كلنا كعرب أصبحنا كذلك من الجزائر إلى اليمن إلى العراق إلى مصر التى بات فيها من يحرق أتوبيسا أو بشرا لمجرد هدف تم تسجيله أو لم يتم فى مباراة كرة. فمن الواضح أننا كعرب بعدما أصبحنا خارج المستقبل، وكتب الآخرون شهادة وفاتنا، أصبحنا أيضا خارج الحضارة، ولا نعرف أو نعشق الفوضى ونجيد ممارستها بشغف وجنون على أى مستوى من مجرد خلاف فى الرأى على فيلم سينمائى إلى خلاف فى الرأى بشأن البرادعى أو عمرو موسى. ولماذا حاول البعض الزج بحزب الله ليصبح متهما بالتحريض على قتل مواطن مصرى.. وهل المعركة والاشتباك بالأيدى على طريق الواحات بين أطقم إعداد ثلاثة برامج تليفزيونية تابعة لقنوات الحياة ومودرن مصر والفراعين لاستضافة أهل الشاب المصرى القتيل، دليل على أنه ولع بمجرد السبق التليفزيونى والفرجة وليس استجلاء الحقيقة وكشفها ومناقشة دلالاتها؟.
والسؤال الأهم هو هل كل هؤلاء الذين انتفضوا غضبا وثورة وطالبوا بالثأر لمقتل شاب مصرى والتمثيل بجثته.. على أوراق الصحف أو مواقع الإنترنت ومجموعات الفيس بوك.. على استعداد لأن يقوموا بأى شىء غير طرقعة الأصابع على الكى بورد والاستمتاع بأنهم أكثر من الآخرين قدرة على الغضب وعلى إهانة كل الآخرين وشتمهم والسخرية من كل من يكتب أو يفكر أو يحاول ذلك.. ثم يعودون لممارسة حياتهم الطبيعية وكأن شيئا لم يكن ودون أن يكون أى من هؤلاء على استعداد لأن يقوم بأى خطوة حقيقية أو يدفع أى ثمن لأى موقف يطالب به ويتمناه ويصرخ بسببه طول الوقت.
والأسوأ من كل ذلك هم هؤلاء الذين لم يكفوا بعد عن معايرة العرب بأننا نحن الذين علمناهم وأنفقنا عليهم يوم كنا وكانوا، وكلام كثير مرسل ليس له قصد أو معنى إلا التأكيد على أن من يقولون ذلك هم الأكثر مصرية وانتماء للوطن وعشقا له من باقى المصريين.. هذه مجرد أسئلة ودعوة للتفكير والحوار أطرحها لكل قارئ لنصبح كلنا معا شركاء فى الفكر ربما نصل للحقيقة التى سأحترمها حتى إن جاءت مغايرة لكل حساباتى الآن.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة