إن كنت مررت على تلك المساحة بالأمس، فمؤكد أنك تابعت معنا مايفعله بنا قانون الطوارئ..وكيف يسيطر هذا القانون الداهية ويتدخل وينتشر ويتوغل ويتغلغل ويؤثر فى تفاصيل حياتنا اليومية ويحيلها إلى جحيم ويجعل مصائرنا متعلقة بمزاج البيه الضابط أو بمزاج الدولة عموما..
تلك الرحلة اليومية للمواطن المصرى التى يسيطر عليها قانون الطوارئ ويمنح رجال الشرطة الحق المطلق فى التحكم فى تفاصيل حياته الدقيقة والخاصة، لا تقف فقط عند سرقة حرية الإنسان أو إفقاده الإحساس بالأمان أو تهديد راحته أو لخبطة حياته أو تدمير عمله ومستقبله، بل تتعدى كل ذلك وتصيبه بخلل نفسى يتغلغل ويتوغل وينتشر وينتقل مثل الوباء ليصيب ويضر الجميع ولا يستثنى أحدا، فكما يرى الدكتور محمد المهدى الاستشارى النفسى أن هذا القانون الاستثنائى أصاب الإنسان المصرى بحالة من اللوث العقلى وضرب العلاقة بين السلطة والشعب فى مقتل، فالمصرى فى ظل قانون الطوارئ أصبح يملك مشاعر مضطربة، فهو يخاف من السلطة ويرتعد منها ويحاول تجنبها والبعد عن شرها، فهى بالنسبة له الآن قوة لا تقهر ومصدر شر لا ينتهى وكل هذا يدفعه لاتخاذ موقف عدائى سلبى، فهو يسعى بشكل دائم لإفساد مايقوم به فيقوم بتعطيل أى شىء يفعله ولا يؤدى المطلوب منه بالشكل الذى يجب..
فهو يقصر فى كل ما يفعل وذلك يبدو واضحا فى سلوك الموظفين، فالموظف المقهور من السلطة يوجه غضبه وعدوانه تجاه المواطنين وتجاه زوجته وتجاه أولاده، وتستطيع أن تفسر كم هذا الفشل الأسرى والعنف الأسرى إلى تلك العدوانية السلبية، فالمواطن الغلبان لا يقوى على مواجهة الدولة ويتحول لمواجهة من يقدر عليه، مما حول حياتنا إلى حياة مضطربة لأن الحياة السليمة تقول بضرورة التعاون بين السلطة والشعب ولكن فى مصر هناك حالة من الصراع الآن بين السلطة والمواطنين نتيجة هذا الصراع كانت بأن اخذ المواطنين الجانب السلبى والعدوان الصامت وأخذت الحكومة جانب القاهر والشرير الظالم المتحكم فى كل شئ القادر على فعل كل شئ يريده والمحصلة النهائية لتلك الصراع كانت تلك الحياة المشوهة التى نعيشها على كل المستويات .هذا ما فعله قانون الطوارئ فى مجتمع كامل أفقده القدرة على المواجهة بل القدرة على النطق بل القدرة على الإنتاج من أصله والخسارة فى النهاية من نصيب الوطن وفقرائه..
وابقى قابلنى.. ولأن الأمر الواقع واقع ولا مجال للأحلام فإن حضرتك فى تلك الدوامة غالبا رايح رايح وراء الشمس قد تكون فى سجن مغلق لا أحد يعرف له مكانا أو سجن مفتوح يسمح بالزيارة ولكن السماح بالزيارة لك تخضع أيضا لمزاج السادة المسئولين عن زيارتك عموما، لا تقلق أبدا فالسجن والاعتقال فى ظل قانون الطوارئ ليس نهاية المطاف فهناك بعض المحاولات يمكن أن نرشدك إليها أو اعتبرها طوق نجاة، ولكن فى الغالب أنت غرقان غرقان ومش هتخرج إلا تبع مزاج الجهاز الأمنى ورغم ذلك إليك روشتة للتعامل مع اعتقالك.
أولا يمكنك استخدام بعض مواد الدستور وهى طريقة رومانتيكية أوى تستلزم منك الاعتصام والهتاف مثل هانى رمزى فى فيلم "عاوز حقى" مش انا اللى بقول الدستور المصرى هو اللى بيقول " يمكنك أن ترفع لافتة وتعلق عليها مواد الدستور التى تنصفك وتثبت حقك فى الخروج من السجن وحقك فى عدم اعتراض طريقك من قبل الجهاز الأمنى المصرى يمكنك اللجوء للمادة 41 التى تكفل للإنسان المصرى الحرية الشخصية، وأنه فيما عدا حالة التلبس لايجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر تستلزمه الضرورة ويكون صادر من قاضى مختص.
أو يمكنك اللجوء للمادة 42 من الدستور أيضا والتى تنص على أن "كل مواطن يقبض عليه أو يسجن أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان" . وهناك أيضا مواد أخرى يمكنك اللجوء إليها فى معركتك ضد قانون الطوارئ وهى المادة 66 والمادة 57 والمادة 67 أو المادة 71 التى تقول بأن كل من يقبض عليه له الحق فى معرفة أسباب القبض عليه ويكون له حق الاتصال والاستعانة بمن يرى ضرورة إبلاغه".
وإذا لم ينفعك الدستور المصرى وهو غالبا لن يجدى من الأمر شيئا فمن الممكن أن تلجا لمحاولة أخرى، وهى استخدام قانون العقوبات، ففى قانون العقوبات جرمت المادة 280 من قانون العقوبات القبض على الأشخاص أو حبسهم بدون أمر من الحكام المختصين، أو تستخدم المادة 34 والتى تقول بعدم جواز القبض على الأشخاص إلا فى حالة التلبس بجناية أو جنحة. أو استخدام المادة 36 أو المادة 42.
وبرضه إبقى قابلنى.. وإذا فشل قانون العقوبات فى أن ينقذك من قانون الطوارئ وغالبا سوف يفشل ولن ينقذك من الذهاب وراء الشمس، يمكنك أن تتخذ خطوة أكثر جرأة وتسعى نحو تدويل قضيتك وتقوم ببعض الاتصالات مع المجتمع الدولى والمنظمات الدولية وتخبرهم بأن القانون الذى تم اعتقالك على أساسه "اللى هو قانون الطوارئ يعنى"، يخالف المادة (9) من القانون الدولى لحقوق الإنسان الذى وقعت عليه مصر وصادقت عليه أيضا، وبالتالى يحق للمجتمع الدولى أن يعاقب مصر دوليا ودبلوماسيا ولا تقلق لأنك وقتها سيتم اتهامك بالخيانة والعمالة وتشويه سمعة مصر، على اعتبار أن أى حد فى البلد بيكلم جوز خالته اللى ساكن فى أمريكا بيبقى عميل وخائن.
إذن.. هذه محاولة فاشلة أيضا ومازلت سيادتك فى سجن لا يعلم عنك أحد أى شىء واللى بيحصل فيك بيحصل وربنا عالم بأوجاعك..
هناك محاولة أخيرة ولكن لا تعول عليها كثيرا لأنها محاولة قانونية فى بلد لا يعرف معنى للقانون، فمثلا يمكن لأهل المعتقل "اللى هو حضرتك " أن يقوموا بتقديم بلاغ إلى النيابة العامة فى حالة القبض عليك وتلك محاولة غالبا فاشلة، لأن الكثير من أهالى المعتقلين بلغوا أكثر من مرة وعدت سنوات دون أن يعرفوا شىء عن أبنائهم، تعالوا نلعب غيرها من طريق تانى عن طريق المعتقل نفسه فمن الممكن أن يتقدم المعتقل نفسه بتظلم بعد مرور 30 يوما من تاريخ اعتقاله.
ولا ينتهى الأمر عند ذلك، فالعملية ليست سهلة هكذا لأنه من حق وزير الداخلية فى حالة صدور قرار بالإفراج أن يطعن على قرار الإفراج خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور القرار أو انقضاء الموعد السابق، وعندما يطعن وزير الداخلية على القرار يحال الطعن إلى دائرة أخرى خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديمه على أن يفصل خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الإحالة، أما إذا رفضت المحكمة التظلم فمن حق المعتقل أن يعود ليقدم تظلم آخر بعد مرور 30 يوما أخرى وهكذا 15 يوما فى 15 يوما فى 30 يوما لحد ما يبان لحضرتك أصحاب، وفى النهاية برضه لن تخرج إلا بمزاج الجهاز الأمنى..
عموما لا تتعب نفسك لأنه حتى فى حالة النظر فى تلك التظلمات فإن العادة جرت أن يتم ذلك دون الاستماع إلى أقوال المجتمع ودون مثوله أمام المحكمة يعنى كله فى الكلتش يابيه! . النكتة فى تلك الحدوتة أنه من حق سيادتك أن تطالب بالتعويض عن اعتقالك إداريا عن الفترة التى قضيتها فى السجن وعن التعذيب والإهانة التى تعرضت لها، وما حدث لك من آثار ماديه ومعنوية، وطلبك للتعويض هذا يتم اعتبارا للمادة 57 للدستور، ولأن الدستور بتاعنا غير معمول به أصلا كما قلنا، فلن تحصل على قرش صاغ ومش بعيد ترجع السجن تانى، فالجهة المختصة بنظر قضايا التعويض هذه هى محاكم مجلس أمن الدولة، والعملية فيها لعبكة ولخبطة وطرمخة، وكما قال أجدادنا "المحاكم حبالها طويلة"..
عموما كمل سجنك على خير وحاول أن تتكيف مع المعتقل الذى تسكن فيه، لأن مفيش حاجة هتنفعك، فقانون الطوارئ مثله مثل البلطجى لا سلطان عليه من أحد ولا رقابة عليه باعتباره عملا من أعمال السيادة، هذا بخلاف عدم وجود رقابة برلمانية لأن مجلس الشعب فى مصر كما تعلمون لا بيهش ولا بينش.