◄◄ الأبنودى: محمود السعدنى عاش حياته كلها رقصة للحرية
فى قفشة من قفشاته الساخنة، قارن الكاتب الراحل «محمود السعدنى» بين الرئيس جمال عبدالناصر وخليفته «السادات» الذى كان وقتها فى أوائل حكمه، فقال: «عبدالناصر» كان هيموتنا من الخوف، إنما السادات ده فهيموتنا من الضحك».
هذه «القفشة» كانت سببا فى سجنه سنوات، ولم يقبل السادات أن يفرج عنه لشعوره بالإهانة البالغة من هذه النكتة، أما محمود السعدنى فقد تقبل هذا الأمر بالمزيد من السخرية الواعية المتبصرة، والمزيد من التصاقه بالناس وهمومهم ومتاعبهم، وليس غريبا أن يتحول يوم وفاته إلى احتفالية حب، شارك فيها جميع المصريين من صغيرهم إلى كبيرهم.
الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى يقول عنه: كان بحق «الرجل التجربة» فقد كانت حياته مجموعة متواصلة من التجارب والمغامرات الحياتية التى لم يجرؤ غيره على أن يخوضها، وكان لا يخاف ولا يخشى ولا يتردد فيما يقدم عليه، أو يعتقد أنه صواب، وفى تطابق أفكاره مع أفعاله نموذجا حيا لإخلاص الكاتب وتفانيه وصدقه، واستعداده لأن يدفع ثمن ما يعتقد وما يؤمن، فكان إذا ما عنت له فكرة مشى خلفها معتنقا إياها، مهما كلفه هذا من عذابات أو سجن أو نفى، ولذلك حينما نطالع إبداعاته، فإنها لم تبتعد كثيرا عن تسجيل هذه الحياة، صحيح أنها صيغت بأسلوب الساحر الأخاذ الساخر، لكن فى الحقيقة.. فإن أسلوبه فى الكتابة، ورؤيته لمشكلات وطنه، وإحساسه بأوجاع أبناء بلدته لا يشابهه أو يدانيه فيه كاتب آخر فى مصر، كبيرا أو صغيرا.
ويضيف الأبنودى كانت أيام حياته كلها رقصة للحرية تعثر فيها أحيانا، ولم تنضبط منه أحيانا، ولكنه كان كفؤا لممارستها، من أول عمره إلى آخره رحمه الله، وحفر لنفسه بصمة حقيقية ستظل باقية باسمه عبر عدة أجيال، وسوف يظل السعدنى رجلا ذا ملامح إنسانية خاصة، نَحَتها بصبره على الشدائد، وبحبه للحياة، ولن يشابههُ فى هذا أحد.
أما الروائى الكبير خيرى شلبى فيقول: إنه من الكتاب القلائل الذين أرى أن كل كلمة يقولها تصلح للكتابة، وكل نفس من أنفاسه يصلح أن يكون مانشيتا صحفيا، أو فقرة فى مقال، وكان خدوما لا يسبقه أحد فى الخير، كما كان لا يخشى أحدا، مهما علت قامته، أو كثرت مناصبه، وكل المسؤولين، من وزراء ومحافظين ورؤساء كانوا يعرفونه تماما، ويقدرونه ويحترمونه، حتى لو كانوا على خلاف معه، لأن كاريزمته الجذابة والمهيبة كانت تجبر الآخرين على احترامه، وتقديره رغما عنهم.