لنا صديق كان أبوه مقاولا صغيرا، يرتدى الجلباب، والصندل فى رجليه لا يغادرها فى أى مشوار كبر شأن الذى يلتقيه أم صغر، وكان صموتاً يتكلم بحساب، وكنا نخشاه صغاراً، ثم مرت الأيام فإذا به يرانا فى التليفزيون، ويسمع أسماءنا من أناس لا يتوقع أنهم يعرفونها، ومصادفة رآنى ضيفاً على برنامج اسمه "رجل مهم جدا"، بالقناة الثالثة، وبعدها قابلت والد صديقى هذا، فاستقبلته بما هو معتاد من الاحترام الواجب والتقدير المفعم بالحب لرجل عصامى كنا ننظر إليه باعتباره صاحب أقوى شخصية نعرفها فى ذلك الوقت، ولكنه قطع وصلة الاحترام التى كنا نطيل فيها تحبباً إليه بقوله: خلاص يا عم دا أنت بقيت راجل مهم جداً، وعرفت ساعتها لماذا أراد أن يقف لحظة دخولى عليه فى غرفته التى كان يتصدر مجلسها على الدوام وحوله محبيه ومريديه من أبناء المنطقة الشعبية التى يسكن بها.
ذهب عم الحاج مع نجله (صديقى)، فى يوم قراءة الفاتحة على زوجته، وهى من الواجبات التى لا يتقنها، ولا يحب أن تطول أكثر من ساعة، وكان عليه أن يضع يده فى يد والد الزوجة الذى كان قد خرج على المعاش على رتبة عسكرية كبيرة، وكما توقعنا لم تطل المسألة أكثر من ساعة ضاق بعدها أبو صديقى بحبسة المكان الذى لم يتعود عليه، واشتاق إلى موقعه بصدارة غرفته بين محبيه، واستأذن منطلقاً إلى حيث يريد، نظر إلينا والد الخطيبة صاحب رتبة اللواء ثم قال: ده شاسيه رئيس جمهورية، وصارت مثلاً على توافر الشكل وغياب المضمون.
وكنت أزاحم فى بواكير الشباب لاعبى تنس الطاولة، وكنت أطلب اللعب مع أبطال اللعبة ومن بينهم زملاء وأصدقاء، وكنت ـ حسب وصف الذين يتقنون اللعبة ـ ألعب بطريقه وبشكل يجعل الخبير يظن أننى لاعب درجة أولى، طريقة إمساكى المضرب، طريقة هجومى على الشبكة، إدبارى وإقدامى، كلها تنبئ عن لاعب كبير، وبعد قليل يتبين الذى يلاعبنى أنه يمكن أن يهزمنى بسهولة فى أكثر الأحيان وببعض الصعوبة فى أقل الأحيان، ومن يومها قيل إننى "شاسيه" لاعب محترف.
تذكرت تلك القصتين وأنا أقرأ ما كتبته رباب فتحى فى "اليوم السابع" أمس تحت عنوان: (الإيكونومست ترصد ازدواجية الحجاب فى مصر والعالم الإسلامى)، وأجدنى أشعر بالأسف والأسى من أننى أوافق الإيكونومست حين تقول إن الكثير من المسلمات اللائى يرتدين الحجاب لا يلتزمن بالتعاليم الإسلامية الصحيحة التى تتناسب مع الزى.
وأقول إن لدينا عودة واضحة إلى الدين من كافة المستويات ومن كافة الأعمار وبخاصة من الشباب، ولكن بعض هؤلاء العائدين هم على شاكلتى كلاعب تنس، مجرد "شاسيهات"، فارغة من المضمون، ولدينا محجبات الآن أكثر من السافرات، ولكن كثيراً منهن مجرد: "شاسيه" محجبة، تغطى شعرها وترتدى المحزق والملزق من الملابس التى لا شك أنها تدخل إليها بعملية قيصرية كل يوم، وأجدنى أسأل نفسى كلما شاهدت مثل هذا المشهد المنفر: ما قيمة حجاب من هذا النوع، السفور المحتشم خيرٌ منه، ومن الذى فرض عليها حجاباً من هذا النوع الذى لا علاقة له بمضمون ومحتوى وهدف الحجاب لا من قريب ولا من بعيد.
للأسف أنها شاسيهات وليس تديناً، وقد كنا صغاراً نشترى بعض الكشاكيل التى تباع بالمكتبات الكبرى، ونقرأ عليها عبارة ثابتة على الغلاف الأخير: "ككشكول الوزارة"، وأخشى أن أقول هكذا نحن، أو هكذا أغلبنا: "كمتدينين"، أو شاسيه متدينين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة