روى لى الكاتب الصحفى الراحل العظيم محمود عوض قصة عن بيع تسجيل نادر لأم كلثوم إلى إذاعة الكويت فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، وكان وقتها الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وزيراً للإعلام، ولما علم بذلك صمم على إجراء تحقيق فى القضية، لأن هذا ملك للإذاعة والتليفزيون لا يمكن العبث به، وحدثت وساطات وقتها قام بها عوض نفسه لإنقاذ المتهم فيها، وكان الموسيقار الراحل بليغ حمدى وزوجته وقتئذ الفنانة وردة الجزائرية، هما من أقنع عوض بالتدخل لدى أبوالمجد.
كان عوض يروى لى هذه القصة، ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول ذكريات فنية له مع أم كلثوم وبليغ حمدى وعبدالحليم حافظ، ورغم أن القصة جاءت فى سياق مختلف عن قضية ييع تراثنا الغنائى، فإننى تذكرتها مع الخطوة الجريئة والموفقة التى اتخذها وزير الإعلام أنس الفقى، وهى موقفه من قضية بيع حق استغلال حفلات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفايزة أحمد ومحمد عبدالمطلب وفريد الأطرش، وحفلات ليالى التليفزيون لمشاهير المطربين المصريين والعرب المملوكة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى قناة روتانا، وقراره بإحالتها إلى النائب العام.
قرار الفقى جاء بعد تقرير لهيئة الرقابة الإدارية بوجود مخالفات جسيمة للوائح فى صفقة البيع التى تمت عام 2004، وتم فيها بيع ما يزيد على 1100 دقيقة من الحفلات الغنائية بسعر 10 دولارات للدقيقة، فى حين أن الأسعار تتراوح مابين 500 إلى 1000 دولار، والمثير أن البيع لم ينص على تحديد مدة زمنية لحق الاستغلال فيما يعنى أن روتانا لها حق استغلال ما اشترته إلى ما لانهاية.
ومع التأكيد على أن هؤلاء الفنانين لو كانوا على قيد الحياة، لما استطاع أحد أن يتاجر بتراثهم الغنائى ويجرأ على بيعه سراً وبرخص التراب، نقول: نحن أمام جريمة بكل المقاييس، تم التحذير منها مراراً وتكراراً، وبقى مشهد القصة كلها مثيراً للأسى والحزن كلما شاهدنا تراثا، كان شاهدا على ريادة مصر الفنية، ورغم ذلك أصبح آخرون يتحكمون فيه.
والقضية هنا لا يجب النظر إليها من زاوية البيزنس، بمعنى أنها لو تمت بسعر مرتفع لما كان هناك مشكلة، وإنما بنظرة أن هذا التراث الغنائى والفنى العظيم، لو كنا نتعامل معه بمعيار الندرة التى فى حوزتنا، وليست فى حوزة غيرنا، وبمعيار أن الله سبحانه وتعالى قد حبا مصر فى ظرف تاريخى معين بثروة عظيمة تتكون من هؤلاء العمالقة فى الفن، أقول لو تم التعامل مع هذا التراث بهذا المعيار لاستطعنا أن نجلب لمصر الكثير والكثير من الأموال، لكن الكارثة حدثت فى حمى بيع كل شىء فى مصر، وهاهو الوزير أنس الفقى يواجه الأمر بحزم وتصرف يستحق الإشادة، وهى الاشاة التى تشمل رجالاً محترمين مثل أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
موضوعات متعلقة..
الفقى يعلن الحرب على مافيا بيع تراثنا الفنى فى محاولة لمنع وصوله إلى إسرائيل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة