ما إن نشر مقال الامس عن الشاب المصرى محمد مسالم ـ أو سالم او مسلم ـ الذى قتله اهالى قرية كيرمايا فى لبنان ومثلوا بجثته حتى انهالت التعليقات التى كان اغلبها يلعن ويدعو للانتقام، مع ماتيسر من اتهامات جاهزة بالانحياز والتبرير والضعف والدفاع عن الحكومة.
وكالعادة استدعى هواة البكاء الحديث عن اهانة المصريين فى الخارج . وظهرت تعليقات طائفية وعنصرية، وعسكرية. وكلها بالطبع من اناس يجلسون فى الظل، يقومون ويقعدون افتراضيا، وكل منهم لم يخسر شيئا، وبعضهم استنكر ماجرى مع محمد ودعا للانتقام بنفس الطريقة. هناك من تطرف فشبه ماجرى فى كيرميا بنجع حمادي، ولامانع من معلقين اعتادوا تمثيل الغضب قبل الذهاب للنوم او الدعوة لمواقف مجانية ليس منهم من هو مستعد لدفع ثمنها. مع اننى لم افعل أكثر مما فعلوه، ادنت الهمجية فى قتل متهم لم تثبت عليه تهم القتل والاغتصاب، وطالبت بمحاسبة مرتكبى الجريمة، والشرطة المتواطئة والنائب المحرض .
طالبت فقط بان نرى الجريمة ضمن ملابساتها، لقد خلا سلوك اهالى القرية الغاضبين من الرحمة، ومن العدالة، وبدا الانتقام مسيطرا عليهم، وهو انتقام لاعلاقة له بطلب العدل والقصاص، كان عليهم انتظار ان ينتهى التحقيق مع الشاب وادانته، وان تصدر المحكمة حكما. لكنهم فضلوا التصرف بوحشية، اخفت كل معالم انسانية، بل ان ماجرى دفع بعض المعلقين الاسرائيليين للقول ان العرب عموما وحشيين لايستحقون الرحمة.
اما عندنا فان الذين استنكروا وطالبوا بالانتقام لو سألت احدهم هل تستطيع ان تفعل مثل هؤلاء المتوحشين وهم يقتلون ويمثلون بالجثة؟. ربما لن يرد او قد يوجد من يوافق على هذا لكنه بالطبع لن يكون صحيح العقل. واى شخص طبيعى لديه بعض الانسانية، لايمكنه تحمل مشهد التمثيل بجثة اى كائن، فما بالنا بإنسان. لقد كشف الحادث والتعليقات ان الذين انتقموا من الشاب المتهم لديهم ميول اجرامية، كما انهم من حيث ارادووا العدل للضحايا الاربعة الجدين والحفيدين اضاعوا حقهم فى القبض على قاتلهم او قاتليهم، كما اضاعوا الفرصة لمعرفة القاتل او شركائه، وبالتالى فان الانتقام اعماهم عن طلب العدالة للضحايا، وقتلوا ضحية اخرى دون ان يمتلكوا هذا الحق وتعاملوا بيقين وحشى لايليق، وبالفعل فان الاعلام والساسة فى لبنان استنكروا الحادث البشع، وعليهم ان يتبنوا عقاب المسئولين سواء من الشرطة التى سلمت متهم لغوغاء، او الشباب الذين رقصوا رقصة البدائية الوحشية وهم يمثلون بانسان.
كل انسان طبيعى لابد وان يجزع من مشهد الانتقام غير المبرر، حتى لو كان هناك متهم وهنا الفرق بين الانسان الطبيعى والمجرم، وعلى هؤلاء الغاضبين ان يعلموا انهم بشر ويتعاملوا بهذا ويطالبوا بما يستطيعون فعله، هناك قدر مبالغ فيه من الكراهية والعنصرية والتعالى فضلا عن العنف. ينتشر بين الشعب العربى هنا او هناك.
ربما نرجع هذا العنف الى كبت طويل وشعور بعدم وجود عدالة ناجزة او عدالة حقيقية، لقد افتقدنا العدل لدرجة اننا نطالب بالعودة الى البدائية.
لقد تحول حادث قتل المواطن المصرى الى مناسبة لاخراج عنف وطائفية وجدنا من يتخذها حجة لمهاجمة حزب الله او الشيعة بالرغم من ان حزب الله لاعلاقة له بهذا، بل ان البعض وجدها مبررا لتاييد العنف الاسرائيلى لكن المؤكد ان المواطن العربى اصبح لديه مخزونا من العنف الكثير منه بسبب غياب العدالة او افتقادها والشعور بعبثية البحث عن العدالة مع ان فكرة القانون نفسها هى البحث عن العدالة وليس الانتقام من المجرم بل عقابه لردع الاخرين. لكن للاسف البعض ممن اعتقدوا انهم يطلبون العدالة انحدروا نحو الانتقام واعاد البعض العلاقة مع الجزائر والتى مانزال نصر انها صناعة شحن وحشد بلا فائدة وان الاغلبية من المصريين والجزائريين مثل اغلبية اللبنانيين مع العدالة ومع العلاقة الطيبة، لكن العنف الظاهر انما هو عنف كبت واحيانا عدم فهم وفى بعض الاحيان جبن يختفى خلف صوت عال وعنف مرضى وغوغائي، واذا كان احد يطالب بالعدالة فى حادث كيرمايا.. فالعدل لايعنى الانتقام.